شكسبير في دبي
لأول مرة يخطو ويليام شكسبير إلى عالم دبي، قال عنها إنها مدينة تلامس السحاب بأبراجها، وتخترق حدود الخيال وتخوم المكان بطموحها.
في هذه الواحة من الرفاهية، حيث يتهادى الجمال بكل رشاقة وتقف الهياكل من الزجاج والصلب تعكس سطوع الشمس بروعة، يتحدى «برج خليفة» أشهر بنايات العالم بارتفاعه وسحره.
يتجوّل شكسبير في الأسواق، حيث يستعرض الغريب من التوابل التي تهاجم حواسه، وأردية الحرير التي تكشف قصص الأراضي البعيدة في كل خيط من نسيجها.
على مياه خور دبي، يبحر شكسبير في سفينة حديثة، ويشاهد الدكاكين التي تحمل لافتات التجارة. أعجبه التضاد بين التقليد والابتكار، بدا له ذلك كمسرحية ذات فصلين، تعرض أمام ناظريه، وتذكره بروائعه. تمتم بكلمات وأخالني سمعته يهمس بالانجليزية: «All the world›s a stage» (الدنيا ما هي إلا مسرح).
عند غياب الشمس، تلألأت دبي في مشهد من الأضواء يتنافس في روعته مع النجوم الطوالع، وفي «مول دبي» رقصت النوافير على أنغام ماء وضوء، وبدا ذلك له كمهرجان شعري سائل أسر قلبه وعقله.
في هذه الليلة العربية، احتضنته دبي الحديثة بكرم ضيافة وبأناقة تليق بمسرحية شكسبيرية.
بعد جولة في خور دبي جلست معه في مقهى يحمل اسمه. أثار زيّه الإليزابيثي فضول بعض القريبين منّا. طلبت شاياً اسمه «English Breakfast»، وكم كانت دهشتي عندما أخبرني أنه لا يعرف مشروب الشاي، وتذكرت وقتها أن الشاي وصل إلى بريطانيا للمرة الأولى في الخمسينات من القرن الـ17، أي بعد زمن شكسبير بعقود.
ودار بيننا حديث شائق أسجل بعضاً منه هنا بموافقته.
شكسبير: صديقي كمال، أنت دارس لبدائع النثر وروائع القريض. ماذا تقول عن العصر الحديث وآدابه؟
كمال: السلام والتحية، يا شكسبير النبيل! في عصرنا هذا، تظهر القصص على الشاشات، لا على المخطوطات. ومع ذلك، يظل جوهر الحكاية قائماً، فكتاباتنا، مثل مسرحياتك، تعكس حالة البشر في هذه الحياة.
شكسبير: ولكن ماذا عن الكلمة المكتوبة، يا كمال العزيز؟ أين القرطاس والقلم بين لوحات المفاتيح والشاشات الذكية؟
كمال: حقاً، يا بريء القلب، هاقد بدأت تتكلم بمفرادتنا الحديثة. القلم لايزال في أيدي الذين يقدّرون الإبداعات المكتوبة. الأدب مازال حياً، حتى وإن كان يقبع في أقبية الصفحات الإلكترونية.
شكسبير: إذاً، ليظل القلم قوياً، والابداع عفيّاً، والكلمات الصادقة كوشم على ضمائر البشر.
باحث زائر في جامعة هارفارد
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.