هل قُلتمْ: شِعر؟!

حينما وصلتني دعوة كريمة للمشاركة في مهرجان المربد الشعري في دورته الـ35 بالبصرة في العراق، كنت سعيدة سعادة مزدوجة، أولها لحضور هذا العرس الشعري الذي انطلق قبل أزيد من نصف قرن، وشهد منبره قراءات كبار شعراء العربية من سدنة الكلاسيكية كالجواهري، إلى رواد الحداثة كأدونيس، مروراً بدرويش والبردوني، وصولاً إلى الشعراء الشباب في دوراته الأخيرة. علماً أنني شاركت في «المربد» سنة 2018، وقرأت قصائدي على المنبر نفسه الذي أعلن منه نزار قباني حبه لبلقيس الراوي في دورته الأولى.

وثاني أسباب سعادتي أن الشعر بدأ يعود له اعتباره بعد حملة نادت بموت الشعر بعد موت المؤلف، وبأن الرواية حلت محل القصيدة فأصبحت ديوان العرب. وأسهمت سهولة النشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو عبر جشع بعض الناشرين الذين يقبضون ثمن طباعة الديوان من كل من يعتقد نفسه شاعراً في شيوع الرداءة على حساب الموهبة. ولعل مثل مهرجان المربد فرصة لتمييز الأصيل من الزائف، فبوجود مجموعة من النقاد الجيدين، وتجمع كبير من الشعراء المجيدين، تنفضح القصيدة الرديئة، وتتوارى الموهبة الضحلة.

ولست أدري لماذا يحمَّل الشعر دون سائر الفنون سبب تخلفنا وخيباتنا، وتنطّ الجملة الظالمة «خلي الشعر ينفعكم» في كل مفرق حضاري، وكأننا مخيّرون بين التكنولوجيا والتقدم أو الشعر والتخلف. ولو ألقينا نظرة على دولة مثل بريطانيا - وهي دولة متقدمة - نجد دواوين الشعر فيها من أكثر الكتب مبيعاً، ولم يمنع ذلك من تطورها.

بل إنني أرى ضرورة إعادة الاعتبار للشعر في زمن أصبح الشباب، نتيجة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، لا يجيدون كتابة جمل مفيدة تعبر بوضوح عن أفكارهم، فكتاباتهم أشبه ببرقيات سريعة مكتوبة بحروف أجنبية ممسوخة. وليس من الأحلام ولا الرومانسية في شيء أن نعيد الاعتبار للشعر، بل هو ضرورة وجودية، واتفق تماماً مع الشاعر الفرنسي لامارتين حين قال «الشعراء هم أصوات الذين لا أصوات لهم».

في مربد البصرة، تجاورت القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة مع قصيدة النثر، ولكن الفائز من الأشكال الثلاثة للقصيدة هو الشعر الحقيقي، وكل محاولات الإلغاء من أيّ شكل لآخر ليست إلّا عبثاً. وهذه المهرجانات المخصصة للشعر تسترد له بعض ما سلبوه من مجده، فليس بالرواية وحدها يحيا الإنسان. وعلى رأي بابلو نيرودا شاعر الشيلي العظيم «آه.. لو فقط مع قطرة شِعر أو حب نستطيع تخفيف الكراهية في العالم».

DrParweenHabib1@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.