«مب مالنا»
قد ننسى في بعض الأحيان أن للبشرية أباً واحداً، وأن انتشار البشر في القارات يعود إلى هجرة الإنسان وتنقله في الأرض، وأن مصدر لغات العالم هو واحد، واللغة كائن حي ومتحرك، ورغم واجبنا تجاه لغتنا بأن نحافظ عليها، فإنه لا يمكن أن نجمدها ونحميها كلياً من التأثر بلغات أخرى، أو حتى من التأثير في لغات أخرى، لأن هذه هي سُنّة الكون.
كذلك الفنون، فهي من صُنع البشر، وإذا بحثت في موسيقى الشعوب وإيقاعاتهم، فستنبهر من بعض التطابق بين أنغام الشرق والغرب والشمال والجنوب، وهناك معلومة تقول إن أحد أسباب هذا التشابه هو أن الأرض كانت يوماً ما كتلة واحدة، والبشر كانوا متشابهين في ثقافتهم إلى أن تفرقوا، ولا أجزم بصحة هذه النظرية، ولكنها ذُكرت أمامي أكثر من مرة من قِبل فنان أكاديمي تضمّنت رسالة الماجستير الخاصة به هذه المعلومة.
هذا التداخل والتأثر الطبيعي لا يشكل خطراً على ثقافة معينة، بل إنه يزيد الثقافات والفنون غنى، وهناك فرق بين أن تطمس ثقافة أخرى، وأن تتأثر الثقافات إيجابياً ببعضها بعضاً، فالشخص الواعي يستوعب هذا المزج الذي يحصل بشكل عضوي، تحديداً من خلال الفنون، ولا ينكر كل فن لا يستسيغه ويدّعي عدم أصالته.
هذا الجدال يحصل كثيراً حول فنون الإمارات الشعبية وأصالتها بين بعض المثقفين، وأن الأصيل منها يعد على أصابع اليد الواحدة، والمتبقي دخيل علينا و«مب مالنا»! ولا أدري متى سينتهي هذا الجدال عن فنون وصلت إلى هذه البقعة من الجزيرة العربية قبل مئات السنين، وطالما أنها تؤدى في كثير من المحافل الرسمية والمجتمعية، فهي تُعدّ ضمن فنوننا الشعبية، ولا بأس في دراسة أصولها، ولكن ليس إنكارها قطعاً.
لدينا كثير من الفنون، بعضها وليد المنطقة منذ الأزل، والآخر نتاج التبادل الثقافي الجميل والعميق والقديم في منطقتنا التي كانت تتوسط حضارات عريقة وقديمة، وهي اليوم دولة يشهد لها الجميع بتميزها الحضاري الذي بُني على الانفتاح على الآخر، وحُسن الجوار والتبادل الثقافي. هذه الفنون ما هي إلا نموذج حي على ذلك، وبدلاً من النقاش حول ما هو لنا وليس لنا، أتصور أنه لدينا ما يكفي من الإنتاج الأدبي والمسرحي والموسيقي والتشكيلي والشعري في العقود التي مضت، إذا استثمرنا الوقت في رصدها وجمعها نجحنا في إضافة مادة «تاريخ الفن الإماراتي» في المدارس، كما هي الحال في مدارس كثيرة في الدول المتقدمة.
ibrahimustadi@
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.