شهرُ شعبان تُرفع فيه الأعمال إلى الله تعالى
جعل الله تعالى لبعض مخلوقاته أزمنةً كانت أو أمكنةً خصائصَ تتميز بها عن غيرها، حتى يهتم بها عباده، ليرشدهم إلى اقتناص فضلها، واغتنام خيرها، ومن ذلك هذا الشهر الكريم شهر شعبان المكرم الذي تُرفع فيه الأعمال الحولية لرب العالمين سبحانه وتعالى، فينظر فيها - وهو أعلم - لتقوم الحجة على عباده، لأنه حَكَمٌ عدل جل شأنه، حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده مُحرَّماً، لاسيما نظر الرحمة في ليلة النصف من شعبان، فمن وجده أهلاً للعفو عفا عنه، ومن وجده غير ذلك تركه حتى يؤوب إلى رشده، ويعرف ربه ويخشاه حق خشيته، أو يكون من الأشقياء الذين أعد لهم الجزاء المهين، كما ورد عنه، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «يطَّلع الله إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن».
ولا ريب في أن العبادات من مفترضات ونوافل وسائر الطاعات التي ندب إليها الشرع وحث عليها مما ينبغي للمؤمن أن يجمِّل بها صحائفه التي تعرض على مولاه سبحانه، غير أن بعضها أزكى من بعض، وقد أخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان مع بالغ تَبَتُّلِه لربه سبحانه في سائر أوقاته كان يهتم بالصوم في هذا الشهر أكثر من غيره ويقول: «هو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحبُّ أن يُرفع عملي وأنا صائم» لأن الصيام سر بين العبد وربه فهو روح الإخلاص الذي هو سر القبول، ولذلك اختصه لنفسه، كما في الحديث القدسي «كلُّ عمل ابنِ آدم له إلا الصومَ فإنه لي وأنا أجزي به». وإذا كان العرْض على الله تعالى لجميع الأعمال، فإن الصلاة التي هي الركن الأهم في الإسلام بعد الشهادتين ينبغي أن تكون وافيةً حتى لا تُلفّ كما يُلفُّ الثوب الخَلِق فيضرب بها وجه صاحبها، وينبغي أن نكثر منها، فإنها الصِّلة بين العبد وربه، وهي قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم وقرة عين المؤمنين ومذهبة لأحزانهم. والصدقات التي يتقبلها الله تعالى بيمينه فيربِّيها لصاحبها وتكون وقاية له من النار ينبغي أن تكون صحائفنا معمورةً بها فإن الله تعالى استقرضها منا وهو الغني الحميد حتى تزكو نفوسنا وننفع عباده. وسلامة القلب من الحقد والبغضاء والغش والخيانة والمكر من أهم ما ينبغي أن يصفو القلب منها حتى يكون سليماً عند الله مقبولاً وينال رحمة ربه. جعلنا الله من المقبولين.
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.