«الموتى» يعودون هذا الأسبوع!
فلنتخيل أننا نزور مقبرة ما.. يلفتنا قبر في زاوية تظلله شجرة، قبر نظيف يبدو أن هناك من مر به قبل فترة فاعتنى به، يتملكنا الفضول فنقترب من شاهدته لنعرف من صاحبه، فلا نجد شيئاً مكتوباً عليها لا اسم الميت ولا تاريخ وفاته كما دأبت العادة، ولكننا نجد رمزَ استجابة سريعة «QR code» صغيراً في زاوية الشاهدة، يتملكنا الفضول من وجود هذه الصرعة في مكان لا حاجة للمقيمين فيه بالإنترنت، فنقرِّبُ بفضول كبير هاتفنا الذكي من «الكيو آر كود» مثلما تعودنا أن نفعل في كثير من الفعاليات الحديثة وفي المطاعم لنسخ قائمة الطعام، وحينما ننسخ الرمز تنفتح أمامنا صفحة فيها كل ما يتعلق بساكن القبر من سيرة ذاتية له وصور وفيديوهات وحتى كلمات بعض من عرفوه، وما يمكن تصوّره مما يتعلّق به. ثم تتوسع هذه الطريقة فتشمل قبوراً كثيرة، وكأنها كتاب تراجم للموتى، ولكن بأسلوب حديث.
ما ذكرناه ليس مقطعاً من فيلم خيال علمي، بل فكرة ظهرت قبل 11 عاماً في مقبرة «سانسيت ميموريال بارك» في الضاحية الشمالية لفيلادلفيا بالولايات المتحدة الأميركية، وقد شهدت انتشاراً كبيراً في السنوات الأخيرة في بلدان عديدة، منها بريطانيا واليابان، وأخيراً فرنسا، وأنا واثقة بأنها ستجد طريقها إلى مقابرنا، ولو بعد حين.
جميل أن تطبق هاته الفكرة، خاصة في المقابر التي يدفن فيها مشاهير العلم والثقافة، فمقبرة العظماء في باريس «البانثيون» التي دفن فيها جان جاك روسو وإميل زولا وفيكتور هوغو وغيرهم تتحول إلى متحف حي، يكفي أن تمرر هاتفك الذكي على شاهدة قبر أحدهم حتى تثري عقلك بمعلومات تاريخية عن الشخصية المدفونة هناك، بل أدع للحلم أن يجنح بي قليلاً، فما المانع أن يعرف حفيد عن جده الذي لم يره كثيراً من تفاصيل حياته وصوره دون حاجة لسؤال أحد؟ وما الذي يحول دون أن يزور الشخص قبر من يحب فيسترجع بالصوت والصورة حادثة من هنا وذكرى من هناك، فيخفف قليلاً من لوعة الغياب ومرارة الفقد؟ فأنا لا أرى هذه الفكرة تدنيساً لصمت المقابر ولا تشويشاً على حرمة الموت، بل منحة تكنولوجية تخفف الحد الفاصل بين الموتى والأحياء، وذلك حلم لطالما سعى إليه البعض، ولو بوسائل غير مشروعة، مثل استحضار الأرواح. ولعل الحلم يجنح بنا أكثر بتأثير الذكاء الاصطناعي فنرى الميت بطريقة الهولوغرام يحدثنا بنفسه عن نفسه.. أليست أحلام اليوم حقائق الغد؟!
DrParweenHabib1@
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.