مبرَّة الأم
يجب للأم البِرُّ الكامل، والوفاء التام، والإحسان الدائم، لما لها من عظيم الفضل وكبير الحق على أولادها، فإنها التي حملت كُرهاً ووضعت كُرهاً ووهْناً على وهن، وأرضعت وحضنت حتى أصبح الوليد شاباً، رجلاً كان أو امرأة، ليكون أباً أو تكون أماً فتحسُّ بمكانة الأم الحنون الرؤوم، وعندئذ تكون هذه الأم بحاجة إلى جزاء الإحسان من غير امتنان. ولا يقدر الولد على مجازاة والديه مهما أحسن وقدّم من بر، كما في الحديث الصحيح: «لا يُجزي ولد والداً، إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه»، أي إنه في هذه الحالة يمكن أن يكون قد أدى بعض حقه، لأنه خلَّصه من الرِّق والعبودية، فأصبح حُراً يملك نفسه، مع أن هذا تعليق بمستحيل، كما يقول أهل العلم، لأنه إن اشتراه عتق عليه تلقائياً من غير حاجة لأن يعتقه بنفسه، حيث لا يملك الفرعُ أصلَه، ولا الأصلُ فرعَه، لمنافاة البنوة للعبودية.
وحيث كان حق الوالدين بهذه المثابة، وحق الأم أكبر، فإن الواجب على الولد السعي في الإحسان إليهما مهما وجد سبيلاً لذلك، ومن أحسن السُّبُل عملُ وقفٍ دائم على روح الأم الطاهرة، كما كان يفعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي عنهم. فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم: وقال: «إن أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وأُرَاهَا لو تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ قالَ: نَعَمْ تَصَدَّقْ عَنْهَا».
وجاءه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وقال: «يا رسول الله، إنَّ أمي توفيت ولم تُوصِ، فهل ينفَعُها أن أتصدقَ عنها؟ قال: نعم، وعليكِ بالماءِ».
وجاء آخر وقال: «يا رسولَ اللهِ إنَّ أمي تُوفيتْ، أفينفعها إن تصدقتُ عنها؟ قال: نعم، قال: فإنَّ لي مَخْرَفاً فأُشْهِدُكَ أني قد تصدقتُ بهِ عنها».
وها هي مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، (وقف الأم)، الذي دلَّنا وحثنا عليه لنُسهم فيه ليكون ريْعه على أهم ما يدوم نفعه ويعظم خيره، وهو التعليم في الدول الفقيرة، ليخرج شعوبها من جهلهم وفقرهم ومرضهم. فكانت هذه المبادرة من أعظم مبادراته الكثيرة النفع الباقية على الدوام، إن شاء الله تعالى، ليكون المساهم في هذا الوقف من البارين المحسنين لأمهاتهم بعض الإحسان الذي أمر الله تعالى به الأولاد، سواء وهم على قيد الحياة أو بعد الوفاة، فإن البر لا ينقطع بالموت.
فجزى الله صاحب المبادرة خير الجزاء.
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.