«فرانكنشتاين»: هل تنبأت بالذكاء الاصطناعي؟
في رواية ماري شيلي «فرانكنشتاين» (Frankenstein, 1818)، الوحش هو الكائن الذي يبلغ طوله ثماني أقدام، اخترعه العالِم فيكتور فرانكنشتاين. يبدأ الوحش حياته ككائن ذكي وحسّاس، يحاول دمج نفسه في أنماط المجتمع البشري، لكن كل من يراه يتجنبه. شعور الوحش بالهجران يجبره على السعي للانتقام من العالم الذي اخترعه.
يبدو لي أن ماري شيلي في روايتها هذه أبدعت مفهوماً للإنسان الآلي، وفكرت كثيراً في العواقب السلبية لإنشاء هذا النوع من الذكاء الفائق. وربما هذا ما جعل د. لوغان مكارتي، الذي يدرِّس الفيزياء والكيمياء في جامعة هارفارد، مفتوناً بقراءة الرواية وإدراجها في مساقه «صعود الآلات»، بحيث يقرأها الطلاب المسجلون ليتسنى لهم فهم تبعات استخدام الذكاء الاصطناعي، وتبني الحذر في تداول المنتجات القائمة على نماذج لغوية كبيرة وفعّالة، مثل ChatGPT، Dall-E، Midjourney، وغيرها.
يعترف مكارتي بأنّ من المحتمل أن مقارنة روبوتات الدردشة بوحوش مرعبة هو أمر مبالغ فيه، لكن لا شك أن هذه التقنيات المتوسعة بسرعة مجهزة لإطلاق تغييرات هائلة في التعليم والبحث والفن والمعرفة. ما يريده من طلابه هو أن يستكشفوا التحديات التقنية والقانونية والأخلاقية والفلسفية التي يفرضها علينا الذكاء الاصطناعي.
يقول في لقاء مع مجلة «هارفارد غازيت»: «نظراً لأن هذه الأدوات يمكنها أن تقوم بأي واجب من الواجبات المدرسية، يجب علينا أن نكون متيقظين ومتكيفين.. أعتقد أن تعليم طلابنا أن يكونوا مستخدمين واعين وأخلاقيين وملمين بالذكاء الاصطناعي ينبغي أن يكون هدفاً رئيساً في جامعة هارفارد».
في جوهرها، تستكشف رواية «فرانكنشتاين» الطموح غير المحدود وسعي المعرفة دون حدود أخلاقية. يؤدي السعي اللافت لفيكتور إلى فتح علمي غير مسبوق، أدى إلى خلق وحش كاسر، لكن تخلّيه عن الوحش بسبب مظهره البغيض يؤدّي إلى سلسلة من الأحداث التي تنتهي بكارثة.
إنّ العاِلم فيكتور هو الجاني الحقيقي، وذاك الوحش البشع في الواقع هو الضحية. إن فيكتور يخلق هذه الحياة، ويهرب منها بدلاً من تحمل المسؤولية.
تعتبر الرواية درساً مؤلماً، يظهر للقراء عواقب اللعب بقوى الطبيعة، وضرورة تحمل الإنسان المسؤولية عن أفعاله. إنها تحذّر من غطرسة العلم، وضرورة احترام الاعتبارات الأخلاقية في سعي البشر نحو المعرفة والتقدم.
باحث زائر في جامعة هارفارد
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.