الخيط الأبيض من الخيط الأسود
عبَّر الله تعالى عن حِلِّيَّة الأكل والشرب في ليالي رمضان بتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وهو كناية عن سواد الليل وبياض النهار، ليعلم الناس أن الليل ظرفُ التمتع بالطيبات والشهوات إلى هذا الوقت، ثم عليهم أن يُتموا الصيام إلى الليل، وقد أشكل على بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم مفهوم الخيط الأبيض من الخيط الأسود، فكان يجعل تحت وسادته عِقالين، عقالاً أبيض وعقالاً أسود، ليعرف الليل من النهار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن وسادتك لعريض، إنما هو سواد الليل، وبياض النهار»، أي أن هذا التعبير القرآني كناية عن الليل والنهار، وليس بالضرورة أن يرى البياض بأم عينيه، بل يكفيه أن يعلم أن الليل قد انقضى وأن النهار قد دخل، وذلك بما يعلمه من طلوع الفجر الصادق، الذي يؤذن عنده المؤذن إيذاناً بدخول وقت الفجر ليقوم الناس لصلاة الصبح، وبيَّنه عليه الصلاة والسلام بقوله: «إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابنُ أمِّ مكتوم»، فجعل غاية الأكل والشرب أذان ابن أم مكتوم رضي الله عنه، يعني الأذان الثاني، فدل على أن من أكل أو شرب عند سماع الأذان فإنه يأكل في وضَح النهار، حيث قد دخل وقت الفجر الذي تصح عنده الصلاة، وهذا ما اتفقت عليه الأئمة من المذاهب الأربعة، ولا يأتي احتمال أن المؤذن أذن قبل دخول الوقت، فإنه لا يجوز أن يؤذَّن لدخول الفجر الصادق الذي يُثوِّب فيه المؤذن بقوله: «الصلاةُ خيرٌ من النوم» إلا عند دخول وقت الفجر.
وما يستشكله بعض طلبة العلم ويشيعونه بين الناس من حديث «إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه» فإنه، على فرض صحته، محمول عند أهل العلم على الأذان الأول الذي كان يؤذنه بلال، لأن ذلك هو الواجب عند تعارض الأدلة إذا تكافأت في الصحة، غير أن هذا الحديث فيه كلام عند المحدثين، فمن المتقدمين من ضعّفه، فلا يقوى إذاً على معارضة الأحاديث الصحيحة، فضلاً عن الدلالة القرآنية، ناهيك عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان بين سحوره وصلاته قدر خمسين آية، أي نحو عشر دقائق، وهو الذي نسميه فترة الإمساك.
فينبغي للمسلم أن يحرص على صحة عبادته ولا يقع في الشك أو الأخذ بشواذِّ الأقوال.
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.