الغيث المُريع
ما أكثر وأجلّ نعم الله تعالى على عباده، ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، وكلمة «نعمة» مصدر مضاف لفاعله وهو لفظ الجلالة، وهي جنس تقال للقليل والكثير، ومن أجلِّ نعمه، سبحانه وتعالى، على عباده هذا الغيثُ المُريع أي الذي يخصب ويثمر إن شاء الله تعالى، هذا الغيث الذي يروي الأوطان ويؤنس النفوس والأبدان، ويفرح الكبار والولدان، يمنُّ الله تعالى به علينا في أوقات مختلفة، قد يكون في إبَّانه المعتاد أو في غيره، فإنزاله من مفاتيح الغيب الخمس المبينة في آخر آية من سورة لُقمان، ليعلم العباد أنْ ليس لهم حولٌ ولا طَولٌ في تقديمه أو تأخيره، إلا أن يسألوه من مُنزله سبحانه فينزله لهم من بعد ما قنطوا إن هو تأخر عنهم وأمحلت بلادهم، وعطشت أنفسهم ودوابهم، فيجود به إن شاء لمن شاء، ويصرفه عمن شاء؛ لأنه سبحانه هو الذي يملك خزائنه، فإذا أراده لمن شاء سخَّر السحاب الثقال لتحط حمولتها من المطر حيث يأمرها ربها جل شأنه، وقد يكون رحمة وقد يكون عذاباً، وقد أراده ربنا سبحانه لنا رحمة عمَّ بها البلاد وآنس بها العباد، فستُخرج الأرضٌ زُخرفَها مخضرَّةً، كما قال ربنا سبحانه: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾، فقد اخضرَّت من الأمطار السابقة فأنبتت من كل زوج بهيج مما يأكل الناس والأنعام.
وها هي النعمة تعود علينا أحسن وأجمل مما سبق، لتشعرنا بواجب الشكر للمنعم سبحانه على ما أسدى لنا من نعمه، ويكون شكرنا له سبحانه باللسان ثناءً على الله تعالى وحمداً له، وبالجنان اعترافاً بأنه سبحانه هو الذي يمنُّ علينا تفضلاً ورحمة ليروي الأرض وينبت الكلأ والعشب الكثير، ويخزنه في الأرض ليغذي به الآبار، فيكون متاعاً للمزارع، وبلاغاً إلى حين، كما يكون شكرنا له سبحانه بأن نجعل نزول المطر رحمة للعباد بحسن الاستفادة منه وحسن تصريفه لئلا يكون عذاباً على الناس في أنفسهم أو ممتلكاتهم، كما يحدث في بعض البلاد، وذلك بإعداد البِنية التحتية القوية الكافية؛ لتكون قابلة لأي كميات يمنُّ الله تعالى بها علينا، لاسيما مع التغير المناخي الذي يوشك أن نتأثر به، فليكن الاستعداد لهذا التغير ببنية قوية لتصريف المياه، كما هو في أكثر البلاد هطولاً للأمطار.
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.