مواسم المطر
ننتظرها كل عام كطفل متحمّس يرقب قدومها من خلف النافذة، ويمد يده للتأكد من زخاتها ثم يركض ليفتح ذراعيه ليغتسل بها.
تأتي في مواسم قصيرة وأيام لا تطول وأوقات تنقضي سريعاً، بعد أن تترك بهاءها ونورها في النفوس والشوارع والبيوت.
تستحمّ بها الأشجار والطيور فتغدو الحدائق أنضر، والعصافير أشجى صوتاً، وتتفتح الورود وتتلون، وتتجدد البنايات والتحف المعمارية وتتألق.
تزورنا خفيفة حانية، فتمتلئ الطرقات بالسيارات والبشر تيمّناً بها، واستمتاعاً بأجوائها التي تزيدها نظافةُ ورقي الأماكن جمالاً فوق جمالها.
تطرق الأبواب والشرفات فتسرع الأمهات والجدات إلى صنع الحلوى والأكلات الدافئة، ويكثر «الفندال» وأخشاب التدفئة لمحبي البر، ويُغدق المولى عز وجل رحمته على البشر والطير بعد صيف شديد الحرّ.
هكذا الأمطار ومواسمها في الإمارات، تأتي كل عام تحمل في طياتها لطفاً وسعادة وأجواء بديعة في البر والبحر، فتصبح كل إمارة أيقونة متفردة من الجمال والبهاء.
هذا العام جاءت الأمطار هادرة لم نشهد مثلها لعقود مضت، اختارت الإمارات وأهلها الطيبين، فكان الجميع على قلب رجل واحد: تكاتفاً وتعاوناً وحرصاً على أرواح الناس وسلامتهم. وسط الشدة كانت الثقة بانقضاء الوقت العصيب سريعاً، وقد حدث.
جفت الأرض التي غمرها الماء، وعادت الحياة إلى طبيعتها، بعد أن جددت العهد مع الإمارات وكل من عليها بمزيد من الخير.
تكاتفت الأيادي ولسان حال الجميع: «الناس أولاً وبعدها كل شيء قابل للتعويض والإصلاح».
خرجنا جميعاً مواطنين ومقيمين أكثر حباً وانتماء للإمارات الحبيبة، وسنتذكر تلك الأيام القريبة بالحمد والشكر لله، ونحن نرى الشوارع والمحال والبيوت وقد جفّت وسطعت الشمس لتزيدها بهاء وألقاً. وعلى الرغم من غزارة الأمطار كانت الثقة بأداء إدارة الأزمات ورجال الشرطة والإنقاذ، أكبر من الخوف، هؤلاء الذين نتكئ عليهم جميعاً في الأزمات ونعلم يقيناً مدى تفانيهم وحبهم لخدمة مَن حولهم.
انتهت الأمطار واغتسلت الإمارات بنورها وفيضها، وامتلأت الخزانات والبحيرات خلف السدود بخيرها، وعادت الحياة إلى طبيعتها، وزادت أوقات الشدة الجميع إصراراً على إعادة كل شبر أفضل مما كان عليه.
amalalmenshawi@
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه