كن مشغولاً
تسلبنا الطريق الكثير من الأحلام، وتضحك من براءتنا وخيالنا الذي يناطح السحاب وقت البدايات، وتدمي أقدامنا بأشواكها، وتضيق وتطبق حوافها على أنفاسنا على طول الرحلة، وتمتد مد البصر كلما استعجلنا الوصول.
تنظر لما نتعلمه، وتنتظر ما نبذله من جهد، ولا تعطينا حتى ترى وقوفنا بعد كل كبوة، وتتأكد من إرادتنا وإصرارنا عقب كل انكسار.
تطوي أرضها لمن يسعى، وتفرش وردها للمتعبين كلما شارفوا على الاستسلام، ولسان حالها يقول: «لا راحة إلا بعد طول عناء».
تأبى الركون للكسل والدعة، وتعد الكسالى بالندم في نهايتها، وتشد على يد الذين يعرفون قيمة الوقت فحسب، ويدركون الغاية والهدف من رحلتهم.
قاسية أحياناً، ورحيمة أخرى، ولا تسمح إلا باستراحة مقاتل، ثم مواصلة المسير، هكذا هي طريق الحياة ورحلتها منذ بداية الكون حتى نهايته، وهذا هو سرها السرمدي وقانونها السماوي «وأن ليس للإنسان إلا ما سعى».
تعلمنا درسها مع اقتراب نهايتها، فنتأكد أن سر السعادة فيها أن نظل مشغولين بعمل أو دراسة أو تعلم مهما كانت أعمارنا، وكأنها تقول: «كن مشغولاً» طوال الوقت.
نعم «كن مشغولاً» حتى لا تفقد الشغف بالحياة وبالأشياء والألوان، حتى لا تنكسر للنهاية بعد أن يفارقوك.
«كن مشغولاً»، حتى تتعافى من الإحباط وتنهض بعد كل كبوة، لتظل قوياً مكتفياً.
«كن مشغولاً»، حتى تملك يومك ومزاجك وصحتك النفسية والجسدية، حتى لا ترهن ضحكاتك وإقبالك وألقك برضا أحدهم عنك.
«كن مشغولاً»، حتى تضيف للحياة قيمة، وتترك أثراً وتزرع خيراً وتصنع فارقاً لمن حولك.
«كن مشغولاً»، فالفراغ عدو الصحة والذاكرة، وقيمتنا الحقيقة فيما نعمل وننتج ونصنع. نحتاج أن نعلّم أنفسنا وأبناءنا أن العمل والجهد والسعي والمحاولة بعد كل إحباط، والبدء من جديد مهما تكرر الفشل، كلها تعيد صنعنا، وتصنع منا أناساً مختلفين عما كنا عليه، أكثر نضجاً وفهماً لدورنا في الحياة.
والنجاح الحقيقي في نهاية كل يوم أن نكون راضين عما بذلناه، وإن لم تتحقق أهدافنا فيها، فحتماً سترى النور في الغد القريب. كلمة شكر وتحية تقدير في يوم العمال العالمي لكل من يعمل ويتعلم ويقف صلباً في مواجهة العثرات، لكل من يدرك قيمة العمر وأيامه القصيرة فيمسك بها ويشغلها بما يفيد.
amalalmenshawi@
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.