«اقرأ»
حكواتي قديم لا تنتهي قصصه ورواياته، يخلق من الكلمات أبطالاً ومواقف وذكريات لا تمحوها الأيام.
يعرف كيف يرممنا بعد كل انكسار، ويخبرنا أن بوسعنا البدء مهما تكرر الفشل، ويحنو علينا كلما ضاقت بنا الطرقات.
ينسج بيننا وبينه خيطاً من الود لا يقطعه مهما تجاهلناه، وينتظر الوصل مهما طال الهجران، وينقش ملامح وجوهنا بين جنباته حتى لنرى فيه صورنا الحقيقية واضحة جلية بلا تجمُّل أو تكلف أو نفاق.
يخبئ الأسرار والمشاعر والقصاصات الصفراء القديمة بهمسها المحفور في الوجدان والورود التي جفت وريقاتها، لكن مازالت رائحتها تملأ القلب والمكان.
يحفظ تواريخ الأمم وأيام مجدها وثوابتها وتراثها، ويعرف أسباب زوالها وانتهائها، ويعلمنا الامتنان لأولئك الأبطال الذين صنعوا فارقاً في حياتنا وأحالوا ظلامها نوراً وملأوا بتضحياتهم الكون عدلاً وخيراً وسلاماً.
نكتشف به أجناساً وألواناً من البشر وطقوساً وأرضاً وحضارة وأقواماً مختلفين، لندرك أن العالم ليس ملكنا وحدنا وأنه يسع الجميع، وأننا في النهاية أخوة دم وصلة قرابة عنوانها «الإنسان».
يعلمنا العلوم والآداب، ونأتمنه على الماضي بكل ما كان فيه، ونستحضر بخياله المستقبل شاخصاً ماثلاً قبل موعده.
مؤنس الليالي الموحشة ورفيق الوحدة والسفر ومتنفس عظيم للهموم والأوجاع، ومرجع لكل المشكلات والمعضلات، ومنهل لا ينضب لاكتساب الخبرات والثقة بالنفس وفصاحة اللسان ولباقة الحديث وكياسة التصرف والأخلاق الرفيعة.
إنه «الكتاب» الذي تحتفي به الإمارات في كل وقت، وتخصص له معارض على مدار العام، وتفتح لنوره المكتبات العامة مجاناً لكل الأعمار وفي مختلف العلوم، وتفرد له مساحات في ساحات المدارس والجامعات والمراكز التجارية.
القراءة هنا في الإمارات منهج دولة بدأت بنفسها وناسها، ونشرته خارج حدودها تحدياً عربياً يجمع ولا يفرق، والقراءة هنا دور مجتمعي بارز يشجع عليها ويحتفي بها في كل المناسبات.
معرض أبوظبي الدولي للكتاب الذي اختُتم الأحد الماضي شهد إقبالاً كبيراً، ومع انتهاء فعالياته يظل الكتاب في كل مكان ينتظر الصغير والكبير، وتبقى القراءة غذاء العقل والروح وسياج الأمان وحائط الصد الأقوى في مواجهة فوضى مواقع التواصل وطوفانها الذي يستهدف جيلاً بأكمله، ويحاول النيل من أمة عزها ومجدها الأزلي بدأ بكلمة «اقرأ».
amalalmenshawi@
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.