الأذن.. بوابة الإدراك والمعنى في الأدب العالمي

د. كمال عبدالملك

تحظى الأذن التي غالباً ما تُغفَل أهميتها مقارنة بالعين، بمكانة فريدة في الأدب العالمي كرمز ووسيلة لفهم المعاني، فهي ليست مجرد عضو للسمع، بل هي أيضاً استعارة للإدراك والفهم والتواصل. يستكشف هذا المقال التمثيلات المتعددة للأذن في الأدب العالمي، بما في ذلك الأدب العربي، مسلطاً الضوء على أدوارها الرمزية والثقافية والسردية.

والسمع والطاعة متلازمان في الحكايات الشعبية، وفي الأدب العربي قد يكون للسمع أثر في المرء أقوى من النظر. بينما كان بشار بن برد في مجلسه ذات يوم وكان النساء يحضرنه، إذ سمع كلام امرأة أشجاه نغمها وحسن ألفاظها، فقال فيها:

قالوا بمن لا ترى تهذي فقلت لهم / الأذن كالعين توفي القلب ما كانا

يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة / والأذن تعشق قبل العين أحيانا

ونقرأ في «طوق الحمامة» لابن حزم الأندلسي عن المحبة بالوصف دون الرؤية: «ومن غريب أصول العشق أن تقع المحبة بالوصف دون المعاينة، وهذا أمر يُترقى منه إلى جميع الحب، فتكون المراسلة والمكاتبة والهم والوجد والسهر على غير الإبصار، فإن للحكايات ونعت المحاسن ووصف الأخبار تأثيراً في النفس ظاهراً».

بالانتقال إلى ما وراء الأدب العربي، تحظى الأذن برمزية كبيرة في الأدب العالمي. في «عطيل» لشكسبير، تصبح الأذن رمزاً للغيرة والشك، حيث يستغل «ياغو» نقاط ضعف «عطيل» بزرع بذور الشك في عقله، موحياً بأن محادثات «ديزدمونا» البريئة مع «كاسيو» دليل على الخيانة. هذه المناورة تستغل انعدام الثقة، وسوْرة الغيرة عند «عطيل»، ما يؤدي إلى عواقب مأساوية.

في رواية «التحول» لفرانز كافكا، تحوُّل «غريغور سامسا» إلى حشرة عملاقة هو استعارة لعزلته عن المجتمع. جسده الحشري وعجزه عن التواصل الفعّال مع عائلته، يرمزان إلى عزلته. ومع ذلك، فإن عزف أخته «غريته» على الكمان الذي يستمع إليه «غريغور» عبر جدران غرفته، يمثل رابطاً عابراً إلى إنسانيته وحياته السابقة.

عبر الثقافات والتقاليد الأدبية المختلفة، تعمل الأذن رمزاً قوياً يتجاوز وظيفتها البيولوجية. تمثل فعل الاستماع كطريق إلى الفهم، ووسيلة لتمييز الحقيقة، وقناة للتعبير العاطفي. من صور الأذن في الأدب العربي إلى التلاعبات الدرامية في مسرحيات شكسبير، والتصاوير الدقيقة للجمال في الآداب الأخرى، تُثري رمزية الأذن تقديرنا للتفاعل المعقّد بين الصوت والمعنى في الأدب.

باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر