ارتفاع الضغط الرقمي

محمد سالم آل علي

تُعدّ «روبوتات» الدردشة من أهم منجزات عصر الابتكار الرقمي، حيث انتشرت المحادثات الآلية في كل حدب وصوب، بدءاً من الخدمات المالية والقانونية، وصولاً إلى الاتصالات والخدمات الصحية، وطبعاً غيرها الكثير، ولم يعد بإمكان أحدنا أن يُنهي يومه من دون أن يجري محادثة مع تلك البرامج المتألقة التي تثلج الصدر وتشفي القلوب، أو على الأقل يستمتع بنبراتها الواثقة التي تفهم المطلوب وتقدم الإجابات الشافية لكل متسائل وباحث عن الحلول.

لا أريد التعميم، لكنني أرى الواقع مختلفاً جداً عمّا ذكرته، والحقيقة هي أن بعضاً من تلك البرمجيات الذكية لا يجيد سوى الكلام، فلا هي تفهم ما يريد المتصل، ولا هي تقدم له سوى الأوهام، والمصيبة أنها تعمل جاهدة على خلق حواجز كبيرة بين المتصلين والبشر الحقيقيين، حيث إنها لا تدخر جهداً في منع وصول الاتصال إلى شخص قادر على الإصغاء والفهم وتقديم العون، وما يزيد من حدة الأمر ارتباطه بالمجالات الحساسة، مثل الخدمات المصرفية والقانونية، وهنا - كما تعلمون - تكون المخاطر عالية، والحاجة إلى الفهم الدقيق أمراً بالغ الأهمية.

تخيلوا معي أن أحدكم يحاول حل مشكلة حساسة تتعلق بحسابه المصرفي أو شؤونه القانونية، وبدلاً من الحديث مع موظف متخصص يُهدّئكم ويريح بالكم، تجدون أنفسكم محاصرين في حلقة لا تنتهي من الأخذ والرد مع «روبوتات» الدردشة، فلا أنتم قادرون على حل مشكلتكم، ولا أنتم قادرون على إغلاق الخط حتى لا تتجدد المعاناة. والحقيقة أنني أصبحت واثقاً بأن تصميم بعض تلك الأنظمة موجّه بشكل مقصود نحو تقليل التفاعل البشري، حيث إن خوارزمياتها واستجاباتها الآلية تعمل كمطبّات لابد أن يخوض فيها المتصل قبل أن يتمكن من التحدث إلى إنسان حقيقي، هذا إذا كان هذا الخيار متاحاً في الأساس، وليعذرني الأطباء حين أقول إن التوتر ونفاد الصبر الناجمين عن المحاولات الفاشلة والمتكررة للوصول إلى مستجيب بشري، لهما الدور الأكبر في ظهور مخاطر صحية مرتبطة بالعصر الرقمي، مثل ارتفاع ضغط الدم، وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب، خصوصاً بالنسبة لكبار السن، أو الذين يعانون الأمراض المزمنة. ولعل أفضل ما أختم به هو دعوتي لمطوري «روبوتات» الدردشة، بينما تواصلون رحلتكم من الإبداع والابتكار، أرجوكم لا تغفلوا عن حاجة الجميع إلى روابط إنسانية حقيقية، لاسيما في لحظات الضيق والشدة وطول الانتظار.

مؤسس سهيل للحلول الذكية


لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

تويتر