لا تُشتَرى

أمل المنشاوي

يوم جديد بصحة وعافية، بيت دافئ بلا مشكلات أو مشاحنات، قلب محب يخلص الود في الحضور والغياب، وشريك يحرص علينا ويحتوينا حد الاكتفاء، ضحكة صافية بلا هموم، وطعام لا تصاحبه أمراض وأوجاع، ونوم هادئ بعد عناء يوم شاق.

عائلة تجمعها المناسبات والأعياد، وأرحام موصولة، وقلوب صافية، ونوايا حسنة لا يشوبها حقد أو حسد أو ضغينة.

إحساس مرهف يرى موضعاً للجمال وسط قتامة الألوان، ويبتهج لبهجة الطير، ويبتسم لموج البحر، وينتعش لرائحة الياسمين، ويستمتع ببراءة الصغار.

راحة بال، وعين تغض الطرف عن النواقص، ونفس تلتمس الأعذار ولا تقف عند توافه الأمور، وتتجاوز عن الصغائر لإبقاء الود والحب.

سؤال بلا مناسبة، دعوة للعشاء لا تقبل الاعتذار، عناق حار من صديق قديم، طبق حلوى من جار طيب يشاركنا الأفراح والأحزان.

ابتسامة في وجه غريب، مساعدة محتاج لا نعرفه، إطراء حتى وإن كان مجاملة.

ثمة أشياء في هذه الحياة لا تُشترى، ولا تقدر بثمن، هي هبات وعطايا من المولى عز وجل، ومقابل سخي لأدائنا على طول الرحلة والتزامنا جادة الطريق.

ثمة أشياء وما أكثرها، لا يشتريها المال، ولا يجلبها الجاه أو المنصب، تتوزع بميزان إله عادل، حرّم الظلم على نفسه قبل أن يحرّمه بين العباد، ليأخذ كل منا نصيبه مكتملاً لا زيادة فيه ولا نقصان.

تفزعني جداً رؤية جيل أبنائنا وهو يعتقد أن كل شيء يمكن امتلاكه وشراؤه، وأن لكل شيء مقابلاً مادياً، حتى السعادة يمكن جلبها بالمال.

أوقات كثيرة ألتمس لهم العذر في ظل ما يُبث ليل نهار على مواقع التواصل من أشكال مكتملة للحياة لا ينقصها شيء ولا تشوبها شائبة، طالما توافرت القدرة المادية.

نعم لا بأس من سعي وعمل دؤوب يؤمّن حياة كريمة ورفاهاً اجتماعياً، طالما لم ندهس في طريقنا قيم الدين والأخلاق، لكن في المقابل نحتاج إلى أن نعلمهم أيضاً أن هناك أشياء ثمينة للغاية، تعجز أموال العالم عن شرائها، وأولها قلوبهم النقية وسعادتهم واستمتاعهم بما أتاحته الظروف، وحرصهم على وصل حبالهم مع الله جل وعلا، ومعرفة قدر نعمه العظيمة التي لا تُشتَرى.

amalalmenshawi@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر