وليالٍ عشر

ما أعظم تجليات الله تعالى على عباده بإنعاماته الكثيرة، ومنها الأوقات النفيسة التي يمنحهم إدراكها، ثم ينوِّه بها لينتهزوا فضلها بالتسابق إلى الخيرات التي ترضيه سبحانه، فيزلفهم بما قدموا مقامات عاليات؛ ومن هذه الأوقات الفاضلة عشر ذي الحجة التي أقسم الله تعالى بها في محكم كتابه، فقال سبحانه: ﴿وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾، فخصَّها بالذكر من بين سائر الليالي، لما لها من الفضل العظيم الذي بينه النبي عليه الصلاة والسلام، بقوله: «ما من أيام أفضلُ عند الله من أيام عشر ذي الحجة»، كما ورد من حديث جابر رضي الله عنه، وجاء من رواية ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحبُّ إلى الله من هذه الأيام العشر»، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء»، فدل ذلك على أن العمل الصالح في هذه الأيام والليالي هو أفضل من العمل في غيرها وأعظم أجراً، وفي ذلك حث أكيد على المسارعة فيها للخيرات والمسابقة لعموم الطاعات؛ لأن العمل الصالح شامل لكل طاعة وبِرٍّ وإحسان، ليكون التنافس فيها بحسب مقدور كل أحد، صياماً أو صدقةً أو صلاةً أو ذكراً أو صلة رحم أو غير ذلك مما يتيسر للمسلم فعله، رجلاً كان أو امرأة، صحيحاً أو مريضاً، مقيماً أو مسافراً، بحيث لا يفوِّت فضلها أحدٌ ممن يريد أن يقدم لنفسه عملاً صالحاً يرضي به ربه، ويزكي به نفسه. وها نحن نعيش هذه العشر فضلاً من الله تعالى علينا ونعمة، فمن المشمِّر فيها ابتغاء فضلها وتنافساً فيها؟ ومعلوم أن من وفقه الله تعالى لأداء نسك الحج في هذه العشر فإنه قد نال خيراً كثيراً، لأنه قد تجرد لطاعة الله تعالى في الأماكن المقدسة، إنما من لم يكن معهم فإنه هو الذي ينبغي أن ينافسهم في ما يتقربون فيه لربهم، وقد أعطاه الله تعالى فرصة العمر، ومنحه التوفيق، ومن دلائل التوفيق التشمير عن ساعد الجد لمنافسة أولئك المحظوظين، ولا أقل من الإكثار من ذكر الله تعالى الذي هو أهم وظائف هذه العشر المعلومات، كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم بقوله: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾.

*كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

 

الأكثر مشاركة