التشابه والتباين بين المتنبي ودرايدن

د. كمال عبدالملك

شاعران مشهوران: أبوالطيب المتنبي (ت 965) العربي، وجون درايدن ( ت 1700) الشاعر والكاتب المسرحي والناقد الأدبي الإنجليزي في القرن الـ17. وعلى الرغم من تباعدهما بحكم الزمن والجغرافيا، فإن كلاً منهما حفر لنفسه مكانة بارزة في تقاليدهما الأدبية. دعونا نستكشف هنا النسيج الغني لإسهاماتهما في الأدب.

قصائد المتنبي غالباً ما تُشَبَّه بحديقة من الكلمات، حيث تمثّل كل زهرة، فكرة أو لمحة أو تأملاً فلسفياً.. لغته فخمة، وموضوعاته بطولية، وأسلوبه مشبّع بإحساس بالفخر بالذات.

سَيعْلَمُ الجَمعُ ممّنْ ضَمّ مَجلِسُنا

بأنّني خَيرُ مَنْ تَسْعَى بهِ قَدَمُ

أنَا الذي نَظَرَ الأعْمَى إلى أدَبي

وَأسْمَعَتْ كَلِماتي مَنْ بهِ صَمَمُ

من ناحية أخرى، يقترب درايدن من الشعر بدقة تشبه دقة حِرفي يشكّل قطعة من الأثاث الفاخر. استخدامه للإحالات الكلاسيكية والشكل المنظم أعطى أعماله جودة مصقولة، تتسم بالزخرفة المفرطة والمبالغة «الأوبرالية». وفي حين قد نرى شعر المتنبي كمنظر طبيعي برّي غير مروّض، تشبه أعمال درايدن حديقة مخططة بدقة، حيث يتم وضع كل عنصر من أجل خلق تناغم وتوازن.

كلا الشاعرين تمتع برعاية شخصيات قوية أثّرت بشكل كبير في أعماله. علاقة المتنبي مع سيف الدولة في حلب كانت نعمة ونقمة. نعم، زودته بمنصة وموارد، لكنها أيضاً ورّطته في شبكات سياسية أدت في النهاية إلى هلاكه.

أما جون درايدن فقد نشأ خلال الحرب الأهلية الإنجليزية، وكانت حياته المبكرة مشبعة بالاضطرابات السياسية التي أثرت لاحقاً في أعماله. فقد مدح كرومويل الذي أطاح بالملكية وأعدم الملك تشارلز الأول، ثم ساند عودة الملكية ورمزها الملك تشارلز الثاني. وبين قصائد تحتفي بكرومويل وأخرى تمدح تشارلز الثاني، يبدو أن درايدن تجهّز نحو مسيرته كشاعر محترف يُذكّرنا بالمتنبي في نفاقه بمدحه وذمه للحاكم نفسه.

أعمال المتنبي تشهد لبراعته وقدرته على نسج مشاعر وأفكار معقدة في قصائده، لكن طموحاته السياسية وسخرية شعره الحادة جعلت له أعداء، ويُعتقد أن قتله كان نتيجة مباشرة للأحقاد التي أثارتها هجائياته اللاذعة.

نخلص من هذا إلى أن شعر المتنبي هو كأسد غاضب، يزمجر بالسخرية و يجأر بالمفاخرة، بينما شعر درايدن هو ملك موقّر ومهيب يتسربل بدمقس اللفتة المنتقاة، وحرير النظم المقصود، وكلاهما التقط روح عصره، تاركيْن إرثاً يساعدنا على فهم طبيعة الشعر كوسيلة للتعبير عن تجربة إنسانية لبشر مبدعين، لكن ليسوا بمنأى عن النفاق والطمع في المال والجاه.

•  باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

تويتر