ليشهدوا منافع لهم
للحجّ منافع عظيمة دنيوية وأخروية، فمن أكرمه الله تعالى بالحج شهد هذه المنافع وانتفع بها وفاز فوزاً عظيماً، فمن المنافع الدينية: أداء ركن الإسلام وهو حجه لبيت الله الحرام، الذي هو خاتمة أركانه وتمام دينه، وهو المحَّاءُ لذنوبه، الرافع لدرجاته، فإن الحاج يرجع من حجه وقد خرج من ذنوبه وعاد كيوم ولدته أمُّه نقياً من الذنوب، كما صح به الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ولن يكون بينه وبين جنة ربِّه إلا أن ينتقل إلى جواره سبحانه، وإلى جنات عدن عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، كما ورد في الصحيح أيضاً. وها هو يستشعر ذلكم الانتقال بلباسه المتواضع الذي لا يزيد على خِرقتين يواري بهما جسده، تاركاً طيبات الملابس والرفاهية استشعاراً للقاء رب البرية، وكم له من منافع دينية أخرى! كتعظيم أجر الصلاة وسائر القُربات من صدقات ونفقات وبِرّ بالأحياء والأموات، وفعل للخيرات، وإحسان للمسلمين والمسلمات، في تلك الديار المقدسة التي تكون الحسنة فيها بمائة ألف حسنة.
وكم له من منافع دنيوية أخرى؟ كاتصاله بالصالحين، وتعارفه معهم في تلك العرصات، واجتماع قلوبهم على المحبة والوحدة الإيمانية التي ترقِّي صاحبها إلى منازل المتحابين في جلال الله تعالى، فيحشرهم على منابر من نور يوم القيامة، وعلى الإخاء الإيماني الذي يقتضي الإيثار والتعاون والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، اللذين ينزِّهان المسلم عن الخسران المكتوب على كثير من بني الإنسان.
أما المنافع الدنيوية فكثيرة جداً، فمنها راحة النفس بذكر الله تعالى وشكره، الذي تطمئن به القلوب، وتأنس برحاب قدس الملك الجليل، والانتقال من هموم الدنيا وتعاستها إلى انشراح الصدر وراحة البال، ولقاء المؤمنين والمؤمنات الذين يسرُّه منظرهم وهو وإياهم في تواضع لله وإخبات، وما يحملهم ذلك على التَّحنُّن على بعضهم بعضاً، والتراحم في ما بينهم، وما في ذلك من انتقال من العادات المألوفة إلى التقشف الاختياري الذي يربِّي في النفس الزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة، كل ذلك وغيره من المنافع التي أشار إليها الحق سبحانه بقوله في آيات الحج: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ}، فيا فوز أولئك المنتفعين بهذه المنافع. وأما غيرهم ممن لم يُكتب لهم الوصول فسُلوانهم أنهم ينافسونهم في الطاعات في هذه الأيام المعلومات التي هي أفضل الأيام عند الله تعالى، كما صح في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
*كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه