من التعليم إلى التعلم

محمد سالم آل علي

لقد بدأت التقنيات المتطورة تترك أثرها الواضح في النماذج التعليمية التقليدية التي صمدت قروناً من الزمان، ولعل ذلك يبدو واضحاً من اتجاهات التعليم التي أخذت تميل وبشكل واضح نحو التعلم الذاتي، مستفيدة من سهولة الوصول إلى المعلومات، وأيضاً من الإقبال الملحوظ والمتزايد على مفاهيم عصرية كالتعلم مدى الحياة. واليوم جعلت الإنترنت الوصول إلى المعلومات متاحاً للجميع، فعبر نقرات بسيطة تُفتح أكبر مستودعات المعرفة وأكثرها اكتنازاً بالعلوم، بما في ذلك المقالات والكتب الإلكترونية، والدورات التدريبية والبرامج التعليمية، وغير ذلك كثير، مثل محتوى الوسائط المتعددة ومقاطع الفيديو وبرامج المحاكاة التفاعلية؛ وبما أن الكثير من هذا المحتوى التعليمي يأتي من الجامعات والمؤسسات الرائدة، فإنه من دون شك يعتبر محتوى تعليمياً موثوقاً وعالي الجودة.

ومع قدوم عهد الذكاء الاصطناعي والتطورات الكبيرة في آليات التعلم الآلي، بتنا نشهد ظهور تجارب تعليمية شخصية ترتكز على المتعلمين كل على حدة، حيث أصبحت تلك الأنظمة تقوم مقام المدرسين، فهي تدرس وتحلل المتعلم، وتصمم المحتوى التعليمي الذي ينسجم مع احتياجاته الفردية، ما يضمن له أن يتلقى التعليم بالمستوى الأنسب من الصعوبة؛ وإذا ما أضفنا إلى كل ما سبق وتيرة التغير التكنولوجي التي لا تهدأ، وما يرتبط بها من تطور كبير للمهارات المطلوبة في سوق العمل، فإننا سنجد أن القدرة التنافسية تفرض أن ينخرط الجميع في عمليات التعلم المستمر طوال حياتهم المهنية، وهي فرصة يقدمها التعلم أكثر من التعليم التقليدي.

قد يقول أحدكم، وماذا عن الشهادات والمؤهلات؟ وهل تلك البرمجيات والمواقع تقدم مستندات تثبت القدرة والكفاءة العلمية؟

أقول ببساطة: نعم، فمن خلال متابعتي بعض المنصات المتخصصة، لاحظت ظهور الشهادات والعلامات الرقمية كأدوات للاعتراف بالمهارات المكتسبة، من خلال التعلم الذاتي مع إمكانية التحقق من صحتها، حيث تمكّن هذه الشهادات المتعلمين من عرض خبراتهم لأصحاب العمل، وبالتالي هي تسهم في سد الفجوة بين التعليم والتوظيف.

أؤكد ختاماً أنني لا أبشّر بنهاية التعليم التقليدي بقدر ما ألقي الضوء على تحول ملموس، فالتعليم التقليدي لاشك في مستمر في لعب دوره الحاسم والحيوي، إلا أن استعانته بعناصر التعلم الذاتي هي ما يبشر بخلق بيئة تعليمية غنية بالابتكار والتمكين، وهذا ما نراه اليوم من خلال قيام المؤسسات التعليمية والأكاديمية الكبرى بدمج عناصر التعلم الذاتي في برامجها الدراسية لتوسيع قاعدة المتعلمين، وتحسين مخرجات التعليم.

*مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر