يوم اكتمال الدين
في يوم الحج الأكبر، يوم عيد الأضحى، نزل قول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} الآية.. ولم ينزل بعد هذه الآية أي تشريع آخر، وفي هذه الآية بيان أن التشريع الإلهي في هذا الدين قد أتمه الله تعالى على نبيه عليه الصلاة والسلام، وأن النبي قد بلغه أمته، وهو ما استشهده أمته في هذا اليوم، فكان يقول: «ألا هل بلغتُ؟» فيقولون: «اللهم نعم»، ونحن نشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، ولم يبق عليه الصلاة والسلام بعد هذا الاكتمال إلا نحواً من ثمانين يوماً، ثم انتقل إلى الرفيق الأعلى عليه صلوات الله وسلامه، وكان آخر ما أنزل عليه قبل موته بنحو 31 يوماً، قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ}.
ومعنى اكتمال الدين، أن الله تعالى قد بيَّن فيه ما يريده من عباده فعلاً وتركاً، بأن يؤمنوا به وحده ولا يشركوا أحداً، ويعبدوه وحده ولا يشركوا بعبادته أحداً، وأن يُحِلِّوا ما أحله الله تعالى فيتبعوه، ويحرموا ما حرمه الله تعالى فيجتنبوه، وبذلك يكونون مخلصين له الدين، وبه ينالون رضاه، ويُنعم عليهم في الدنيا والآخرة.
وقد كان ختم الدين في موسم الحج الذي هو الركن الخامس من أركان الإسلام ليكون هذا الحج كفارةً لما قد يكون من المسلم من تقصير في الواجبات، أو تفريط بعمل المعاصي والسيئات إن كان قد حج حجاً مبروراً، فلم يدنس حجه برفث ولا فسوق ولا عصيان، فإن ذلك دليل استقامته على طاعة الله تعالى واجتنابه لمحارمه، فلم يكن له بعد هذا الحج جزاء إلا الجنة، كما صح به الحديث.
واكتمالُ الدين يعني أنه لم يبق بعد ذلك مجال للزيادة فيه أو النقص منه، وإنما هو الفهم من نصوصه ما يقتضي عمارة الدنيا بالدين، لصلاحية الدين لكل زمان ومكان حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وهو ما أراده الحق سبحانه من عباده بعموم نصوص كتابه المبين، كقوله سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، وقوله جل شأنه: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}، ذلك أن نصوص الدين حمَّالةٌ ذات وجوه، وتحتاج فهماً عن الله تعالى ورسوله من خلال فقه اللغة وقواعد الاستدلال، وذلك لا يتاح إلا للمتخصصين، وهم الفقهاء في الدين.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه