هل يتقاطع المتوازيان؟
صورتان متقابلتان تظهران لنا أثر «السوشيال ميديا» الكبير في قلب موازين الرواية والانتشار والمقروئية تماماً، وأن التحولات التي أحدثتها في حياتنا من النواحي الاجتماعية والنفسية والثقافية مهولة جداً، وإلى حد الآن لم نستوعبها أو نقيّمها.
الصورة الأولى: روائي جزائري يدعى ياسمينا خضرا (يستعمل اسم زوجته على كتبه لأنه كان ضابطاً محكوماً بواجب التحفظ العسكري)، استضفته قبل سنتين في حوار بمكتبة محمد بن راشد، تجاوز الـ60 من عمره أصدر 40 رواية، بعضها لاقى نجاحاً كبيراً، فروايته «الاعتداء» تحولت إلى مسلسل على منصة «نتفليكس»، وباع منها في فرنسا فقط 750 ألف نسخة، ليصبح الكاتب الجزائري الأكثر مبيعاً في تاريخ بلده، ولكن... حدث ما لم يكن متوقعاً أبداً!
الصورة الثانية: صبية ولدت في بلد ياسمينا خضرا بعد 15 سنة من إصدار روايته الأولى، لا أحد يعرف عنها شيئاً حتى اسمها الحقيقي، تعمل موظفة في صالة رياضية، وتكتب باسم مستعار (الفتاة الغامضة) على منصة «واتباد»، نشرت رواية باسم مستعار آخر «سارة ريفنس»، وفي زمن يحسب بالأشهر لا بالسنوات تصبح أكثر مقروئية من ياسمينا خضرا الذي صرف 40 سنة من عمره في كتابات الروايات. ورغم أن روايتها متاحة للقراءة مجاناً، بل قرأ جزأها الأول على الإنترنت تسعة ملايين متابع، بيع من روايتها لما طبعت ورقياً 700 ألف نسخة في أشهر قليلة.
لا تفسير منطقياً ولا علمياً عندي لهذه الظاهرة وأنا التي أزعم أنني متابعة جيدة للحراك الثقافي وظواهره من ربع قرن بحكم هوايتي للقراءة وعملي في الإعلام الثقافي، ولن أحكم عليها كذلك وأعتبرها فقاعة أدبية سرعان ما تنتهي، بل أميل إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي أفرزت أدباً مختلفاً في آليات التلقي عما اعتدناه في الآداب الكلاسيكية بغضّ النظر عن قيمته الفنية، يكفي أن يُعجَب مؤثّر مراهق له ملايين المتابعين بكتاب لتباع منه آلاف النسخ في اليوم الموالي، وما صورة محمد صلاح وهو يقرأ كتاب فن اللامبالاة إلا تصديق عملي لهذه الفكرة.
أنا على يقين أن خط ياسمينا خضرا وخط سارة ريفنس - وهما هنا مجرد مثال - خطان متوازيان، كلٌّ يتوجّه إلى قارئ مختلف، ويستعمل آليات انتشار متباينة، فهل من الصعب أن نجعل الخطين المتوازيين يتقاطعان فيقرأ جيل نجيب محفوظ لكتّاب المنصات، والعكس صحيح؟ الأمر أعمق من أن يكون صراع أجيال، فهو أقرب إلى عالميْ الإنس والجن في المخيال الشعبي.
DrParweenHabib1@
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه