وللأب يومٌ

جميلٌ أن يكون للأب يومٌ يُحتفى به عالمياً، كما للأم وللمعلم وللمرأة.. ليعيد للأولاد ذكوراً وإناثاً ذاكرةَ أن لهم أباً كان سبب وجودهم في هذه الحياة، في كنفه يعيشون، وبرعايته يترعرعون رعايةً جسدية بالإنفاق والتعليم والحماية، ومعنويةً بأنهم ليسوا كمن لا أبَ له فيعيش في دور الأيتام أو اللقطاء، وفرقٌ كبير بمن يعيش يعرف أباه وأصله وفصله، ومن لا يعرف ذلك إلا سماعاً، أو لا يعرف شيئاً عن أب، لذلك فإن هؤلاء الذين لهم آباء يتسلَّون بهذا اليوم فيعرفون نعمة الله عليهم، فهم يحتفون يوم 21 يونيو بيوم الأب، الذي يذكِّر الغافل والمهمِل والعاقّ والشّقي، كما يذكِّر البارَّ التقي بهذا الأب الذي تحدروا من صلبه، وتغذوا من جهده، ويحملون شرف اسمه، ويُعرفون بين الناس به، فلعلَّ هذه المعاني تثبت في أذهانهم بقية أعمارهم إن كانوا قد نسوا فضل أبيهم من واقع جماح الصبا أو تأثير الأشقياء، فحسناً فعل من اقترح هذا اليوم ليكون يوماً عالمياً ككثير من أيام الذكريات.

غير أن الأب الذي تعنَّى بالتربية والإنفاق والرعاية لن يكفيه مُسمَّى هذا اليوم، ولا الوردة التي تُهدى له، ولا العبارات المنمَّقة التي يسره سماعها ثم لا يجد ما يسر خاطره ويود سماعه في سائر أيامه، لن يكفيه بِرُّ يوم وعقوق سائر الأيام، لن يكفيه أن تُهدى له الزهرات التي سرعان ما تذبُل، فتعبر عن ذبول البر والإحسان الذي أمر الله تعالى به الأولاد، ولا يسامح فيه الآباء.

إن الأب الذي خرجتَ أيها الولد من صلبه كان يتمنى أن تكون شَدادَ ظهره، وعونَ دهره، وحاملَ أزره.. لقد كان يفاخر بك الآباء، ويتجمَّل بك بين الأصدقاء، ويتمنى اليوم الذي تكون فيه ظِلاً له عند كِبره، كما كان ظلاً لك عند صغرك، وأن تكون الساعي له بالحسنات بعد الوفاة كما كان ساعياً لك بالطيبات حتى بلغت شأوك، واستغنيت بنفسك، ولعلك لن تستغني عنه مع اكتمال بِنيتك، وقوة جسك، كما أنه لن ينسى بُنوَّتك مهما علوتَ في حياتك.

هذا الأبُ الذي إن لم تكن له كما يحب من البر والطاعة والإحسان والوفاء، فإنه سيندم على أن كان سبباً لوجودك، ولعله يقول: ليتني لم أكن له أباً، ولا كان لي ولداً، وليتني لم أتعنَّ به صغيراً، وهو يراك تسيء له كبيراً، فيتمثل قول الشاعر:

جزى بنوه أبا الغِيلان عن كِبَرٍ وحسن فعل كما يجزى سنِمّارُ.

*كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه
 

الأكثر مشاركة