الخبزة المحروقة

إبراهيم استادي

شغلتني جملة سمعتها في مناسبة فنية من إحدى الشخصيات السينمائية، حيث قال: «يجب أن تحرص كفنان أن تكون موظفاً لأننا نحن الفنانين «ما نعرف نسوي فلوس!»

الكثير منا يدخل عالم الفن مسكوناً بآمال وأحلام وردية، وأغلب من دخل معي من جيلي المجال الفني، ارتطم بأرضية الواقع، فتحول إلى منتقد دائم للحال، أو خرج تماماً ليمارس مهنة أخرى، لأن الفن «ما يوكل عيش»!

في الحقيقة، إن هذه الجملة -من وجهة نظري- كغيرها من الشعارات والعناوين، لا أساس لها من الصحة، وانتشارها يرجع لكثرة من فشلوا في تحويل شغفهم إلى مصدر دخل، فالصورة النمطية للمبدع الذي لا يجيد التفكير بشكل مادي، هي وهم كبير آمنت به للأسف نسبة كبيرة من العاملين في القطاع لفترة طويلة من الزمن.

أقوى الأسماء الفنية في العالم، ولا أستثني عالمنا العربي، هي الأسماء التي تصدر صورة محددة عن مهنتها، سواء أكان مطرباً أو ممثلاً أو كاتباً، وفي الكواليس يعملون في «تجارة المهنة»، أي يعملون في مجال الإنتاج والبيع والشراء، والاستفادة من حقوق البث التقليدي أو الرقمي وغيرها من الأمور التي لا يفهمها إلا من يكون حريصاً على تعلم المجال من جميع زواياه، ولا يكتفي بدور واحد طوال العمر ثم يندب حظه المادي! وهناك أسماء كثيرة لا يكفيني العمود لذكر تجاربها الناجحة.

هذا يأخذني إلى نطاق أوسع وثقافة أتمنى أن تنتشر بين الشباب، فعلى جميع من يتخصص في أي مجال: (صحة، فن، ثقافة، تاريخ، رياضة)، أن يكونوا ملمين بالجانب التجاري المتعلق بمهنتهم حتى وإن لم يمارسوه، هذا يفتح أبواباً لهم كمتخصصين، ويوسع آفاقهم بحيث لا تعتقد عزيزي الخريج أن شهادتك أُعطيت لك فقط من أجل أن تبحث عن وظيفة، لأنك فعلياً حصلت على المعرفة، وتخصصت في مجال معين، لتستطيع أن تستثمر ما تعلمته وتحوله إلى مصدر كسب لك يفيدك وتفيد به الآخرين، وأبسط مثال على ذلك هم الأطباء الذين يبدأون من الصفر ثم ينجحون في فتح عيادة ومنح فرص للآخرين، فيصبح الطب هنا شغفاً وتجارةً مشروعة ومربحة.

في عصر التركيز على الاقتصاد الإبداعي، وتحديداً في الإمارات، على العاملين في المجال الفني أن ينفضوا الغبار عن الأفكار النمطية ويبدأوا الحديث بواقعية، مواكبين العالم في تحويل العمل الإبداعي إلى مصادر دخل حقيقية تسهم في اقتصاد الدولة وتضمن ديمومة الإنتاج، ويستفيد منها المجتمع الإبداعي «ليأكل العيش قبل أن يحترق»!

ibrahimustadi@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه
 

تويتر