فخ الانتقام
يكبر فينا كلما تكسر شيءٌ عظيم في دواخلنا، يأتي متقداً بجمر القهر تارةً، والظلم والخذلان تارةً أخرى، يُشعرنا بغصة مريرة في الحلق، ويرفض كل نداءات الاستسلام لواقع الحال، حتى وإن كانت المعارك خاسرة.
يحرمنا الراحة والنوم، ويملؤنا بالوساوس، ويأخذ من صحتنا وعمرنا الكثير، ويعمي أعيننا عن خيرية الأقدار واللطف الخفي، فيما يؤلمنا ويُخرج من الكبرياء الجريحة مارداً يدمر سلامنا النفسي وهدوء أعصابنا، ويقذف عقولنا كل ساعة بألف فكرة مجنونة، وألف خطة مدمرة.
نتصور أنه الطريقة الوحيدة لترميم ما تكسر، والعلاج الناجع للكرامة المستهانة، والنصر الذي يحول الوجع لنشوة وسعادة غامرة.
يقاتلنا كل صبح إن حاولنا الصفح والغفران أو التغافل والبدء من جديد، ويضع شرطه الأزلي: أخذ الحق أولاً ثم الرحيل.
يلازمنا زمناً قد يطول ويقصر، يصاحبنا ما صحبنا الألم ذاته، ويرقبنا ليعيدنا كلما حاولنا الابتعاد والنسيان.
يشاطرنا أوقاتاً من العمر، وقليل منا من يفهم مبكراً أنه «فخ» وشَرَك يقتل أحلى ما فينا حين يحولنا إلى أسرى في سجن الانتقام، فيذهب عنا هذا السلام وذاك الهدوء الذي عشنا به سنوات.
يتركها زوجها لأجل أخرى، فتوقف حياتها وتتنظر سنوات أملاً في إطفاء الغضب فيمر العمر، وتقبع في «فخ الانتقام».
تتصارع مع أهل زوجها فتستخدم أبناءها دروعاً بشرية حتى ترتد السهام لقلبها وقلوبهم حين تمحو براءتهم وتملأ قلوبهم بالكره والضغينة، وتقذف بهم في «فخ الانتقام».
ينتزع أخوه ميراثه عن أبيه بالقوة، فيقضي أيامه ساخطاً على الأقارب وصلة الأرحام، لتنتهي رحلته في «فخ الانتقام».
حكايات كثيرة ومريرة لا تخلو منها حياة، وكلنا على الطريق ذاته سواء، لكن الفطين من يدرك أن نار الانتقام تحرقه قبل أن ينال ممن آذوه، وأن «أولئك الذين يهبطون المنحدر لا يتوقفون عادة إلا عند السفح».
الرغبة في الانتقام ورد الصفعة والانتصار للكبرياء مشاعر إنسانية تعترينا جميعاً كلما واجهتنا المواقف المخزية أو الظالمة، لكن هناك دوماً حكمة ولطف في كل ما نتعرض له، لذا يكون الصفح والتسامح والنسيان والرحيل والبدء من جديد والتغاضي.. كلها لأجلنا نحن، ولأجل أن تستمر حياتنا هانئة سعيدة ونفوسنا قوية سوية، ثم تدور دوائر الأيام فننظر خلفنا ونغفر بصدق لكل عثرات الطريق، ونمتن لذاك التوفيق، وتلك الإرادة التي حمتنا من «فخ الانتقام».
amalalmenshawi@
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه