أمين معلوف وأمبرتو إيكو: بين الخيال التاريخي والهوية الثقافية
يشتهر أمين معلوف وأمبرتو إيكو بإسهاماتهما في الخيال التاريخي، حيث يقدم كل منهما وجهات نظر متميزة حول الهوية الثقافية والخطاب التاريخي. يعالج معلوف، المؤلف اللبناني الفرنسي، حدثاً تاريخياً مهماً في فترة العصور الوسطى بكتابه «الحروب الصليبية بعيون عربية» (Les Croisades vues par les Arabes)، بينما يستكشف إيكو الفيلسوف والروائي الإيطالي، تعقيدات أوروبا في القرن الـ14 في رواية «اسم الوردة».
في كتابه يتحدى أمين معلوف وجهات النظر الأوروبية في ما يتعلق بالحروب الصليبية. من خلال تقديم روايات للمؤرخين العرب تتضمن تأملات شخصية وتحليلات تاريخية مفصلة، يقدم معلوف رواية مضادة تُضفي طابعاً إنسانياً على المنظور الإسلامي، وتسلط الضوء على تنوع وتعقيد المجتمعات العربية خلال الحروب الصليبية وعلى تأثير هذه الحروب التي غيّرت مسار العلاقات بين العرب والأوروبيين إلى الأبد.
وفي روايته يمزج أمبرتو إيكو بين عناصر من اللاهوت المسيحي في العصور الوسطى، والفلسفة والأحداث التاريخية، ليخلق رواية متاهة تنتقد التفسيرات العقائدية للتاريخ والمعرفة. يدعو نهج الرواية القراء إلى التفكير والتحقيق في ديناميكيات السلطة والصراعات الأيديولوجية داخل المسيحية الأوروبية في العصور الوسطى. يقول إيكو: «ليس الهدف من قراءة الكتب تصديق محتواها، بل إخضاعها للتدقيق والتحقيق».
من ناحية أخرى، تحوي رواية إيكو انتقاداً لدومغمائية الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى، وقمعها لأي معرفة بديلة. من خلال شخصية ويليام باسكرفيل، يكشف إيكو الصدام بين العقل والإيمان، ويقارن بين أوروبا في العصور الوسطى والمناقشات المعاصرة حول الحرية الفكرية والتسامح الديني.
لكن المقارنة تظهر أنه بينما يركز معلوف على إعادة بناء الروايات التاريخية العربية التي همّشها التأريخ الغربي، ينتقد إيكو آليات الهيمنة التاريخية والثقافية في السياقات الأوروبية.
نرى بوضوح تأكيد معلوف على التعاطف والإنسانية في «الحروب الصليبية بعيون عربية»، وهذا يتناقض مع صرامة إيكو الفكرية وعمقه الفلسفي في «اسم الوردة». يعمل كلا المؤلفين على إثراء فهمنا للأحداث التاريخية والديناميات الثقافية، من خلال السرديات البديلة التي تتحدى التفسيرات التقليدية، وتدعونا إلى الانخراط بشكل نقدي في قراءة متجددة للتاريخ.
باحث زائر في جامعة هارفارد
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.