كوابيس القايلة!
كنت جالساً أتأمل المنظر الجميل أمامي وأنا في بهو فندق فخم على أنغام موسيقى ساحرة، وأمامي أناس يتناولون إفطارهم ويحتسون قهوتهم بكل سعادة وسلام.. إلى أن اخترقت أذني جملة إنجليزية غير سليمة، سمعتها تخرج من فم أم عربية موجهة إلى ابنها، وبحضور زوجها وجد أبنائها، وجميعهم عرب من الجنسية نفسها.
هنا تعكر صفو الصباح الجميل، وتحوّل رأسي إلى ورقة امتحان لطالب غير مفلح مليئة بأسئلة غير مجاب عنها! لم أستطع استيعاب هذا المشهد الغريب الذي أصبحنا نطلق عليه اسم «أحلام العصر»، أو كما في دول عربية أخرى «كوابيس القايلة».
ما الذي يجعلك كولي أمر تتحدث مع ابنك بلغة أخرى غير لغته الأم؟! خصوصاً عندما لا تجيدها أنت شخصياً بإتقان!
العلم فرض، وتعلم اللغة الإنجليزية اليوم أصبح أمراً ضرورياً، لأنها لغة عالمية، وللعلم هي لم تصبح عالمية من الفراغ، فهذا عمل جاد كان ومازال قائماً منذ قرون لنشر الثقافة واللغة الإنجليزية من قبل أصحابها، الذين أبلوا بلاءً حسناً في تحقيق ذلك، ولا يضاهيهم في هذا الجهد أحد إلى اليوم!
ولكن لنعد إلى مشهدي الفندقي الذي لا أستطيع أن أزيله من ذهني: أسرة كاملة تلبس اللباس التقليدي، يتحدث كبارهم مع بعض العربية، ويتحدثون مع أبنائهم الإنجليزية! هل الهوية هي اسم العائلة والعباءة والكندورة فحسب؟! إذا كان الأبناء يتعلمونها ويتحدثونها في المدرسة والنادي ومع أصدقائهم ويسمعونها «أونلاين» 24 ساعة، فلماذا أيتها الأم أو الأب تزيدون النار حطباً؟!
لا أحتاج أبداً إلى إحصاءات لأجزم بأن هذه أصبحت ظاهرة خطيرة ومنتشرة في المجتمعات الخليجية كالنار في الهشيم، فاللغة هي أداة التواصل الأولى، وهي أول عنصر من عناصر الهوية، كما أن دولتنا أطلقت أجندة خاصة لحماية ونشر اللغة العربية، لنساعد الدولة في تحقيق ذلك، ولنتوقف عن كتم أنفاس لغتنا العربية بتغييبها عن المنزل وإسكاتها في التجمعات الأسرية.
أما أكثر ما أحزنني في هذا المشهد السريالي الذي رأيته، فهو أنني توسمت خيراً في الجد بأن يكون له موقف ولو كان بسيطاً بالتحدث بالعربية مع أحفاده، بدلاً من الاكتفاء باستخدامها مع أبنائه الكبار، وتوجيه أم الأحفاد بذلك أيضاً، ولكنني أخطأت بعشمي الذي لم يكن في محله، ثم لمت نفسي على تفكيري بصورة النمطية، ونسيت أن هناك أجداداً «مودرن».. أو لربما كان ما رأيته هو «كابوس القايلة» فعلاً!
ibrahimustadi@
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه