من وحي الهجرة

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

الهجرة النبوية الشريفة حدث لا كالأحداث، لعظيم منزلتها عند الله تعالى، وبالغ أثرها في الواقع، وكبير فائدتها على الناس.

أما عظيم منزلتها عند الله تعالى، فإن الله تعالى قد نوّه بها في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ}. وعلى رأس هؤلاء المهاجرين الذين ظُلموا وبوَّأهم الله تعالى في الدنيا حسنة، سيدنا محمد بن عبدالله، صلوات الله وسلامه عليه، فقد ظُلم في ماله وجسده الشريف، وداره المنيفة، ودعوته الربانية، فصدق فيه وعد الله تعالى بأن بوَّأه المدينة المنورة فكانت عاصمة دولته، ومنطلق رسالته، ومهبط وحي الله تعالى عليه، وكان بها الأنصار، وحلّ بها المهاجرون لله ورسوله، وأجرُ الآخرة أكبر من ذلك كله، فقد فضّله الله تعالى على الأنبياء والمرسلين، وأعطاه المقام المحمود والشفاعة العظمى لأهل الموقف.

وأما بالغُ أثرها، فإن هذه الهجرة الميمونة هي التي فتحت الآفاق، وعمّت الطباق، ولولاها لما شعّ نور الله تعالى في الخافقين، إذ لا يُقدر على تبليغ رسالات الله تعالى إلا بدولة وقوة ونظام، وذلك ما تحقق في دار الهجرة المباركة. ولقد حاول الشرك وأعوانه أن يُقوِّضوا هذا الأثر بغزواتهم المتكررة لدار الهجرة ليطفئوا نور الله تعالى، فردهم الله خائبين منكسرين مهزومين، وأبى الله تعالى إلا أن يُتم نوره ولو كره الكافرون.

وأما فائدتها على المسلمين في أجيالهم المتتابعة إلى قيام الساعة، فإنهم لم يكونوا لينالوا شرف هذا الدين وعبادة الله رب العالمين، ولا أن ينالوا العزة عند الله تعالى إلا بسبب هذه الهجرة التي مكّنت المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان من أن يبلِّغوا هذا الدين، ويفتحوا به البلدان، فشعّ نوره في الأرض، وتمدّد حتى بلغ مبلغ الليل والنهار، ولايزال كذلك حتى يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.

وإذا كانت الهجرة المباركة لها هذا الأثر العظيم فحُقّ لها أن تُدرّس لتُستنبط منها الأحكام والآداب، وليعلم المسلم أن الهجرة قد تكون واجبة عليه إذا لم يستطع أن يقيم دين الله تعالى، وأن عليه ألا ييأس من الفتح المبين إذا كان مخلصاً في هجرته لله رب العالمين، وأن يأخذ بالأسباب التي جعلها الله تعالى مقدمة للنتائج، وأن هذه الأسباب مع التوكل على الله تعالى كفيلة بأن تبلِّغ المرء مأموله، إلى غير ذلك مما يطول ذكره، ولا يخفى أمره.

*كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر