«صم بكم عمي»    

إبراهيم استادي

ربما ليست كثيرة هي الأعمال الفنية التي رأينا فيها أصحاب الهمم، وبالتأكيد انخراطهم وإشراكهم فيها هو أمر ضروري، لأنهم شريحة مهمة ومؤثرة في مجتمعنا، ولكن عندما نشرك أصحاب الهمم في عمل، فعلينا أن نكون دقيقين وحريصين على «كيف؟» و«ماذا؟» نقدم، والزاوية التي سنتناول منها قضيتهم، ولا نستهتر بتناول هذه الموضوعات بسطحية أو بناءً على بحث بسيط وغير متعمق.

لفتتني حلقة في مسلسل يعرض على إحدى المنصات العالمية، يتناول قصة حقيقية عن مجرم متسلسل، وجدير بالذكر أن المسلسل للكبار فقط، لحساسية القضية والمشاهد. في هذه الحلقة التي أتحدث عنها ظهرت ٣ شخصيات من أصحاب الهمم من الصم والبكم في أكثر من مشهد، ونراهم يتناقشون في موضوعات معقدة، تخص الأمور النفسية والعاطفية والحياتية بلغة الإشارة مع صمت تام في المشهد وترجمة كتابية، كان الحوار دقيقاً جداً، والكلمات منتقاة إلى درجة عالية لم أشاهدها في أي عمل فيه شخصيات من هذا النوع، خصوصاً شخصيات تعاني أموراً نفسية أخرى، الذي يجعل الموضوع أكثر تعقيداً، إلا أنه مدروس بعناية فائقة، ومبني على شخصيات حقيقية عاشت الحدث وتمت إعادة تمثيل مشاهدهم بأداء نفسي عالٍ جداً، لدرجة أنني شعرت في لحظتها كأنني جالس معهم على طاولة الحوار.

في هذه الحالة لا تملك إلا أن تحترم الجهد الذي بذله الكاتب والفريق الذي يدخل في أعماق الإنسان النفسية والعقلية وأبعاد الشخصية، ويكتب المشهد التمثيلي بناءً على العلم والدوافع الإنسانية المنطقية، ويحترم عقل المشاهد، حتى عندما تشاهد هذه الفئة نفسها في الدراما، فإنها تحترم النهج الذي اتخذه الفنان لتجسيد معاناتها وقصتها كما هي بصدق، بعيداً عن الشفقة أو أداء مفتعل يلعب «بغير احتراف» على وتر العاطفة عند المشاهد لاستمالته عاطفياً، في حين أن الكثير من القصص التي تخص أصحاب الهمم حول العالم ملهمة جداً ومثيرة جداً للاهتمام، وفيها تعقديات علمية كثيرة تحتاج إلى كاتب وفريق عمل جاد ليترجمها إلى دراما تلفزيونية أو سينمائية.

عند كتابة أي نص، من الضروري أولاً أن يتم تحديد نوعية العمل وأسلوب سرده، والأهم بعدها أن يتم احترام عقل المشاهد الذي هجر مسلسلاتنا ولجأ إلى المنصات العالمية، ليشاهد أعمالاً تقدم باحترافية عالية، رغم كل ما تدسه من سم في العسل، من خلال نوعية الرسائل المبطنة والمباشرة التي تبثها، ولكن هناك من الكتاب من اختاروا أن يكونوا صمّاً وعمياً عن الحقيقة!

ibrahimustadi@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر