«الأشباه الأربعون»
تجادلني ذات العشرين ربيعاً كلما تعثرت قدماها على الطريق: ما نفع كل هؤلاء القوم، إن لم نكن متفاهمين؟ ما جدوى الاهتمام الذي نبذله لمن لا يبادلنا الود أو نجده في الأوقات العصيبة؟ ولمَ كل هذه المعاناة في محاولات إصلاح علاقة لا يريد صاحبها البقاء؟
تُساءلني كلما فقدت قسطاً من تلك البراءة والنقاء، أو ذاك السلام والسكينة: هل حقاً هذه الخسائر ضرورية لمواجهة معارك الحياة وحماقات غير الأسوياء؟
تشاطرني نصف القصة ونصف الحزن ونصف التجربة ونصف الألم ونصف الصدمات بقولها: «النصف الآخر لنفسي، أصنع منه الخبرات والأسلحة والكلمات والمشاعر القاسية لتحاشي تكرار الأخطاء».
تغمرني بالضحكات والنكات التافهة، وتسلبني سطوة إنفاذ القرار بكلمة حانية، وتحاول جاهدة إقناعي أن لا شبه بيننا سوى الشكل والجينات، فيما الانفتاح والتفكير والأحلام، كما كل الجيل، بعيدة بُعد السماء.
تحدثني عن أحلام وآمال قد لا تكون ممكنة، وتؤكد أن الجهد الحق أن نطوع الظروف لمصلحة ما نتمناه، وأن نغير ما نرفضه بذكاء.
تُخبرني أن العالم ليس في تلك المساحة الضيقة الآمنة التي نحاول خلقها من حولنا لنكمل الرحلة بلا شقاء، بل في المعارك التي نخوضها بشجاعة بلا خوف أو تخاذل أو بكاء.
جيل مختلف، وفكر آخر، ومن الظلم أن نحاول وضعه في شرنقتنا أو جعله امتداداً لنا، ولما تربينا عليه وعشناه، ومن الحماقة تضييع الوقت في خلق شبيه واحد لنا من هذا الجيل، وليس «أشباهاً أربعين»، هم يشبهون أنفسهم وتعليمهم وثقافتهم، ودنياهم التي تختصر المسافات، وتُقارب بني الإنسان، وتصهرهم في بوتقة العالم والفكر الجديد.
أبناؤنا يشبهون الكتب التي قرؤوها، والصور التي أحبوها، والقصص التي أحضروها من المستقبل، يشبهون الغد والأحلام التي يرسمها خيالهم في العقول وعلى أسطح الشاشات الذكية.
أما نحن فلا نملك من «الأربعين شبيهاً» لأبنائنا إلا ما ننجح في غرسه من قيم وأخلاق وثوابت قادرة على الصمود في وجه التيار الجارف على الضفة الموازية. نعم علينا دور جوهري في توجيههم ونصحهم وحمايتهم، إن لزم الأمر، لكن لا يمكن أبداً أن نخلق منهم أشباهاً لنا، فلكل جيل «أشباه أربعون» يخلقهم الوقت والظروف والحياة المغايرة.
amalalmenshawi@
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه