أصدقاء.. ولكن!

دعاوى قضائية عدة استندت إلى خلافات بين أصدقاء، ففي ساحات المحاكم تنكشف كثير من الأمور، وتظهر معادن البشر.

في قضية نظرت حديثاً، ادعى كل من الصديقين على الآخر إقراضه مبلغاً بداعي الثقة، وقدما دفوعهما إلى المحكمة، فالأول أكد أن الثاني مدين له بـ75 ألف درهم ترصدت في ذمته من إجمالي مبلغ 180 ألف درهم أقرضه إياه على سبيل المساعدة، ولم يسدد منه سوى 105 آلاف درهم فقط.

فيما أصر الثاني على أنه لم يأخذ أي أموال من صديقه القديم، بل إنه هو الذي أقرضه 105 آلاف درهم، وقدم كلاهما إيصالات تحويل المبالغ، لتنتدب المحكمة خبيراً يفصل بين الصديقين.

ودارت نتيجة الخبرة في فلك تلك العلاقة كذلك، إذا ذكر الخبير أن ثمة صداقة شخصية بين طرفي الدعوى، ولا يوجد بينهما عقود أو مكاتبات رسمية، بل مجرد دردشة رقمية بين صديقين لا ترقى لإثبات أي معاملات تجارية نقدية بينهما.

واستندت المحكمة في نهاية الأمر إلى إلزام أحد الطرفين بأداء اليمين الحاسمة بناء على طلب الآخر، وحكمت لمؤدي اليمين.

وفي دعوى أخرى رفضت المحكمة طلب شخص ادعى أنه منح صديقه مبلغاً مالياً كبيراً لاستثماره، مستنداً إلى متانة صداقتهما وثقته المفرطة فيه، لكن تحولت المودة إلى خصومة، ولم يتمكن من إثبات الدين، وخسر حسب ادعائه أكثر من مليون درهم.

وتنازع صديقان في قضية ثالثة ديناً بقيمة 55 ألف درهم، ادعى الأول أنه منحه للثاني بسبب مروره بضائقة مالية، ولم يتمكن من إثبات ذلك، فطلب من المحكمة إلزام المدعى عليه بأداء اليمين الحاسمة، ولم يؤدها الأخير فقضت المحكمة لصالح الأول.

الدعاوى كثيرة كما ذكرنا، وتفاصيلها دائماً محزنة، ومن واقع عملي، لا يمكن أن ألوم الصداقة، فهي أسمى كثيراً من إنكار شخص لحقوق آخر، خصوصاً لو كان صديقه.

ومن هنا يمكن أن ندرك حكمة الآية القرآنية: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ»، إذ إن توثيق الدين فيه حماية للدائن والمدين، وليس الأول فقط، لأنه كفيل بردع الثاني عن الإنكار، كما أنه أداة إثبات أمام المحكمة إذا لجأ صاحب الحق إلى القضاء.

محكم ومستشار قانوني

الأكثر مشاركة