من طق طبله!
في 2016 عندما كنا نعيش عاماً جميلاً أطلق عليه «عام القراءة»، انتعشت البرامج الثقافية، وعشنا في الوسط الفني والثقافي حالة من البهجة قد يكون سببها فرحة اللغة العربية بوهجها وتألقها في هذا العام، كما أن دور النشر انتعشت بشكل لافت، والكثير من الأسماء الشابة التي دخلت عالم الكتابة وجدت لها طريقاً للنشر - بغض النظر عن المستوى - بسهولة ويسر بل وترحيب، وكانت معارض الكتاب عرساً حقيقياً مازلنا نعيشه في كل عام، ولكن في «عام القراءة» كان الإقبال استثنائياً.
تذكرت حينها «موجة» التصوير الفوتوغرافي التي أقبل عليها الجميع، وأصبح التصوير ثقافة مجتمعية. ومن موقعي الذي كنت فيه أستقبل السير الذاتية، لم تخلُ سيرة متقدم للعمل من ذكر هواية التصوير.
أنا متفهم ومتقبل وأحترم أن جزءاً منهم غضّ البصر عن مجال الكتابة والأدب، وربما انصرف الآن ليعمل في مجال القهوة أو «البرغر»، ولكنني أعتقد - والله أعلم - أن الباقين جميعاً اتجهوا إلى «البودكاست» بما أنها موضة العصر، لدرجة أنني أخشى أن تتحول جلسة «جاهي الضحى» في بيتنا إلى «بودكاست» أفاجأ به على مواقع التواصل، فعلى رأي المثل البحريني: «من طق طبله قال أنا قبله»، أما نوعي المفضل من المتحدثين فهو الذي يصر على ألا ينظر إلى الكاميرا ليترك انطباعاً أن أحدهم يحاوره، لماذا يا عزيزي؟ أرجوك لا تحرمنا النظر إلينا، فنحن نعلم أنك وحدك ولا تهون علينا.
هذه المرة سأتجرأ وأقول إنك يا عزيزي القارئ توافقني الرأي لأنك تلاحظ بنفسك «التخمة البودكاستية» التي نتلقاها يومياً، ورغم أن «البودكاست» هو مصطلح مخصص للمادة الصوتية المسجلة إلا أنها عممت، فالمصطلح الأدق هو «فودكاست» إذا كانت المادة مصورة، والآن يتم الاهتمام بشكل كبير بالصورة والديكور والإضاءة، والحرص - كل الحرص - على أن يكون ميكروفون الإذاعة حاضراً في المشهد لأنه هو العنصر الأهم في البرنامج أكثر من الذين يقدمونه.
جميل أن يكون لدينا انفتاح و«بودكاستات» قيمة، فهي تبرز أشخاصاً ربما لم يحصلوا على فرصتهم في مؤسسات كبرى، واستطاعوا أن يثبتوا كفاءتهم «أونلاين»، وهذا من حقهم، ولكنّ هناك سموماً تبث علينا وبالعربية من بعض هؤلاء، وكأنهم أخذوا على عاتقهم تطبيع الخاطئ من الألفاظ والأفكار، ناهيك بالفئات «المختلفة» في الغرب التي ينتج عنها أيضاً محتوى يحمل قنابل أخلاقية موقوتة تصل إلى شبابنا بسهولة، ولكن في النهاية لابد أن تنتهي هذه «الهبة» وتبدأ غيرها.. ويا ساتر من غيرها!
ibrahimustadi@
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه