الأوقات الصامتة

أمل المنشاوي

فارغة من الشغف، خالية من المتعة، مملوءة بالخوار والضعف، ثقيلة المرور وبطيئة العبور، ومحملة بالهموم وبقايا الذكريات والأحلام التي لم ترَ النور.

ألوانها قاتمة وصباحاتها غائمة، يتساوى فيها الليل والنهار ولا تختلف فيها الأيام، أخبارها مكررة وعنوانها الأوحد: «لا شيء جديداً»، لا بهجة فيها، ولا سرورَ.

تعيدنا عنوة إلى البدايات، وتقذف عقولنا بألف سؤال: هل حقاً كنا على صواب؟ وهل اخترنا بملء إرادتنا أم فرضت علينا الحياة الخيار والقرار؟

تنزع رغبتنا في استكمال الطريق ومواصلة الرحلة، وتوهن قوتنا وتقيد قدراتنا على الإنجاز، وتُغمض أعيننا عن الضوء وتطمس صورنا الحقيقية وتبدلنا أشكالاً لا نعرفها عن أنفسنا فنخشى حتى النظر في المرآة.

نشعر فيها بالوحدة القاتلة والفراغ المطبق والخوف بلا سبب، وتُسقط مناعتنا دفعة واحدة كخريف قاسٍ على شجرة عتيقة، تتشبث بلا فائدة بأوراقها حتى الرمق الأخير.

نعم ثمة أوقات هكذا كثيرة تعترينا بين حين وآخر، صامتة حزينة، لا نرغب فيها بالكلام أو القيام بأي عمل أو التحرك من مكاننا، نكتفي فيها بالإيماءات المقتضبة والإشارات ونفضل فيها اعتزال العالم بأكمله، ونعزف فيها عن المشاركة في أي حوار أو نقاش.

الأوقات الصامتة محطات متعبة على طول الرحلة، لا يمكن تجنبها أو المواصلة دون المرور عليها وكأنها اختبارات قدرية تمتحن قدرتنا على الصبر والجلد، ثم تأخذ مداها وتتركنا نكمل الطريق.

الأوقات الصامتة قد تكون عملاً يتعثر أو زواجاً يفشل أو مرضاً مفاجئاً أو أياً من صروف الدهر وتقلباته أو لا شيء على الإطلاق سوى فقدان الإقبال على الناس والأشياء، تخيفنا في بداية العمر ونخشى منها على أنفسنا، متخيلين أنها ستدوم للأبد ثم مع مرور الأيام ندرك أنها مجرد أوقات قاسية تمر تاركة خلفها تجربة ثرية غنية بالعظات أهمها أن لا شيء يدوم، وأن هناك لحظة فارقة قادمة لا محالة ينتهي فيها كل شيء.

الأوقات الصامتة تُعرفنا قيمتنا الحقيقية في عيون من حولنا، ومكاننا في قلوبهم، وتكشف لنا من يحبنا بصدق، ومن يرغب في صحبتنا وانتشالنا من عثراتنا، وتفتح عيوننا على عيوبنا وعيوب الآخرين.

تُعلمنا الأوقات الصامتة التقاط الأنفاس، والانتظار على هامش الكون، والجلوس على حافة الحياة في مقعد المتفرج، لنتأكد من جريان النهر بنا أو بدوننا، فلا نغتر بصحة أو مال أو سلطان.

amalalmenshawi@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه
 

تويتر