ساري الظلام

الدكتور هشام الزهراني

بينما عمر الفاروق يتفقد الرعية ليلاً كعادته في الظلام الدامس إذ أبصر ناراً مضيئة وسمع نحيباً وبكاء، وأماً تقوم على قِدر فارغة من الطعام، توهم صبيانها بأنها تطبخ طعاماً وليس عندها طعام، فقط لتمضي الساعات وينام الأطفال من تعب البكاء والسهر، فزوّدهم عمر بن الخطاب بالمؤن وقام على شؤون تلك الأسرة. فالشاهد أن الفاروق عمر ما كان يعلم بحال تلك الأسرة قبلاً، ولكنه شاهد علامات استوقفته حتى علم بحال الأسرة.

فقد يقف المريض عند نافذة الدفع في الصيدلية وأنت تشاهده منصرفاً مهموماً دون أن يشتري حاجته من الدواء، أو تلحظ أبناء جيرانك ماكثين في بيوتهم في الصباح والطلبة قد ذهبوا إلى مدارسهم.

أو ترى على جدران منزلهم من الخارج مكيفات عفا عليها الدهر، أو تكون صحيحة لكن لا تسمع لها ضجيجاً في وضح النهار أو في سواد الليل، مع الحاجة إليها في الصيف.

أو تشاهد أطفالاً بملابسهم الرثة وأحذيتهم البالية ويتكرر ذلك المشهد أمام ناظريك.

وأذكر مرة أن أطفالاً تراوح أعمارهم بين السادسة والثامنة توجهوا لامرأة في مركز تجاري رأوا فيها الخير، فأفصحوا لها عما في نفوسهم طالبين منها مساعدتهم وتزويدهم بطبق بيض وخبز فقط، فلم يطلبوا لعبة ولا حلوى، وذلك لأنهم ما أفطروا صباحاً إلا على خبز وزيت، حسب ما أباحت به الطفلة.

ومرة لمحت أسرة والوجوم على الوجوه، فكأن الأب أصيب بمرض والصعوبة واضحة في مشيته، لكنه يحاول المشي ذهاباً إلى بيته متحملاً الألم، ومعه زوجته المكلومة غير القادرة على الكلام حزناً ووجلاً من المستقبل، والأبناء الصامتون من حولها.

وكم وكم من أفواه صامتة تمر إلى جانبك تقرأ في عيونها الحاجة، فإذا استطعت أن تكون ذلك النور الساري في ظلامهم والمشعل المضيء في دياجيرهم، فكن.

وعلى مستوى الجمعيات الخيرية، فإنها تحمل قواعد بيانات تساعدها في تمحيص الحالات لتنتقي تلك التي يصعب عليها توفير متطلبات الحياة، لعدم الدخل أو قلته، فتضع جدولاً لمتابعة تلك الأسر ومنحها الأولوية على غيرها ممن لديهم رواتب جيدة أو متوسطة.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه
 

تويتر