ضاعن جمعة
رغم هدوء شخصيته وملامحه وصوته ونعومة وجوده في المكان، إلا أنه ترك في المجال التربوي والفني الإماراتي فراغاً برحيله، وخسرت ساحتنا رائداً آخر من روادنا الذين ما دخلوا الفن إلا حباً للعطاء بقلب نقي وعقل نير، وبإبداع غير متكلف لما تمتع به الفنان الراحل ضاعن جمعة التميمي من مخزون معرفي وثقافي وفكري غزير، هذا إضافة إلى لهجته الإماراتية الخالصة التي ينطق بها بانسيابية تطربك عندما تسمعها منه، وهو يتحدثها بكل عفوية وطبيعية لأنه فعلاً فنان أصيل ابن بيئته الإماراتية.
إضافة إلى رحيله عنا، فالأمر المحزن أيضاً أن قيمة وقامة فنية كضاعن جمعة لم تُستغل كما يجب في سنوات عطائه، بل أنه قضى في المستشفيات سنواته الأخيرة دون أي تسليط للضوء عليه، وكفنانين إماراتيين كان من واجبنا أن نقوم بزيارات خاصة له والتواصل مع ذويه، ولكي أعطي كل ذي حق حقه فقد كان هناك عدد بسيط من فناني الإمارات حريصاً على معرفة أخباره أولاً بأول ومحاولة تشجيع الآخرين على زيارته.
كان - رحمه الله - شخصية واعية جداً لا تقف عند حد مكان معين في المجال الفني، ويتمتع ببُعد نظر منذ زمن طويل، ففي الوقت الذي كان المسرحيون فيه متمسكين بشعلة المسرح، ارتأى هو أن يتجه إلى التلفزيون وكأنه يعلم أن الزيت لن يكفي لإبقاء هذه الشعلة متقدة ومتوهجة! وفي حوار سابق معه نُشر في «الإمارات اليوم» في 2015، تحدث فيه عن بداياته الفنية، وهو من الحوارات النادرة التي تشكر عليها «الإمارات اليوم» لأننا اليوم غير قادرين على إيجاد مصادر تحكي قصة هذا المبدع، ولفتة جميلة من صندوق التكافل المسرحي أن يقوم بنشر كتاب يحمل سيرته.
جدير بالذكر، أنه كان في الأساس مدرساً في وزارة التربية والتعليم وقضى فترة من حياته في الكويت وحاز جائزة الشيخ خليفة للمعلم في عام 1997، كما أنه من الفنانين الذين سيكتب التاريخ اسمهم من ذهب، فهو أول من ألّف «أوبريت» احتفالاً بالسنة الأولى للاتحاد في عام 1971، وكانت هذه هي ولادة هذا الفنان الاستثنائي، ولابد أنه كان إضافة مهمة في حياة كل فنان شاب احتك به، ورغم عدم محبتي لشعور الندم إلا أنني من الذين خسروا لمرتين فرصة العمل معه بشكل مباشر، رحم الله الفنان الإماراتي القدير ضاعن جمعة.
ibrahimustadi@
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه