الأزمة الرقمية!

محمد سالم آل علي

من منا لم يسمع عن الأعطال التي أصابت خدمات مايكروسوفت، أخيراً، والتي طالت بتأثيرها نحو 8.5 ملايين من الأجهزة التي تعمل بنظام ويندوز في جميع أنحاء العالم، وما ترتب عليها من تداعيات، عانتها شركات الطيران والخدمات المصرفية وأسواق المال وأيضاً المستشفيات ووسائل الإعلام. ولعل اللافت في الأمر، أن ما حدث لم يكن ناجماً عن هجوم سيبراني مخطط له، وإنما جاء في أعقاب تحديث روتيني للبرنامج من شركة الأمن السيبراني، كراود سترايك (CrowdStrike)، أدى خلال لحظات إلى انهيار تقني عالمي غير مسبوق، مسلطاً الضوء على نقاط الضعف الكامنة في الأنظمة التي نعتمد عليها كل يوم في حياتنا الشخصية والعامة.

المزعج في الأمر أن الحادثة أكدت أن عالمنا الرقمي مهدد باستمرار، ليس من الأعطال العرضية وأخطاء البرمجيات وحسب، بل أيضاً من الجهات الخبيثة، فإذا كان ما حدث، أخيراً، هو مجرد خطأ أثناء التحديث، وترتب عليه من الأضرار ما ترتب، فما بالكم بالهجمات الإلكترونية المتطورة والمدروسة التي تستهدف نقاط الضعف وتستغلها في إحداث أضرار هائلة لا يمكن إصلاحها؟

ما أريد قوله هو أن هذا التعقيد المتزايد للأنظمة الرقمية، يصعّب من إمكانية الإحاطة بكل جوانبها الصغيرة والكبيرة، ويجعل تأمينها أمراً صعباً للغاية، بسبب وجود العيوب الخفية، وبالتالي نقاط الدخول المحتملة للمتسللين، لذا فإنني أتوقع أن تكون الأزمة القادمة، رقمية بامتياز، وتماماً كما تنتشر الأوبئة البيولوجية بسرعة، وتسبب كوارث صحية في كل مكان، فإن الأزمة الرقمية ستكون لها أيضاً عواقب وخيمة، وتداعيات بالقدر ذاته أو أسوأ، أي أن هجوماً إلكترونياً واسع النطاق، أو خللاً كارثياً في أنظمة الذكاء الاصطناعي، قد يؤدي إلى تعطيل الخدمات الأساسية، وشل الاقتصادات في جميع أنحاء العالم، والمحزن هو أن أدوات ترابط عالمنا التي مكنتنا يوماً من قهر جائحة «كوفيد-19»، هي نفسها من سيستغلها الوباء الرقمي، لنشر الفوضى والاضطرابات.

لا أريد أن أبدو متشائماً أو سوداوياً، لكن ما حدث، أخيراً، هو جرس إنذار لما قد يأتي لاحقاً، فعلينا أن نتخذ خطوات استباقية، لتعزيز مرونة أنظمتنا الرقمية، خصوصاً الشخصية منها، وعلينا أيضاً الاستعداد بشكل أفضل عبر استشراف المستقبل، ووضع سيناريوهات المشكلات وحلولها، فالمسألة هنا ليست حول ما إذا كانت الأزمة الرقمية الكبرى ستحدث أم لا، بل متى ستحدث؟ ومن أين ستبدأ؟

*مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر