السمكة.. رحلة رمزية عبر بحور الأدب

د. كمال عبدالملك

تعد هواية صيد السمك لدى أقاربي تجسيداً حقيقياً لما هو ممتع في الحياة، فهي في نظرهم هواية يندمج فيها الشغف والروحانية مع النشاط البدني.

كان الصيد جزءاً أساسياً من تقاليد عائلتنا، ويعكس حبُّها لهذه الهواية علاقتها العميقة بالطبيعة ورغبتها في الاسترخاء والتواصل مع البيئة المحيطة. بالنسبة لها، الصيد ليس مجرد عملية سحب للسمك من الماء، بل هو تجربة روحانية تعزز التواصل الداخلي مع الذات، وتسمح لها بالهروب من صخب الحياة اليومية.

تبدأ هذه الرحلة الروحية عندما يخطو أقاربي عند انبلاج الصباح إلى ضفاف البحر المتوسط، حيث يسود الهدوء وتنساب الأصوات الطبيعية، ما يخلق حالة من السكون الداخلي. أثناء انتظارهم في صبر وترقب، يشعرون باتصال عميق مع الطبيعة التي تحيط بهم، ويختبرون توازناً فريداً بين نشاط الجسد وسكون الروح، ما يمنحهم شعوراً بالسلام الداخلي والتجدد.

والسمك - في الحكايات الشعبية - يرمز إلى الخصوبة والثراء. في مدينة القطيف شرق السعودية، تحكي خرافة عن فتاة تدعى فطوم، تعاني قسوة زوجة أبيها. تُعطى فطوم سمكات لتنظيفها في النهر، تنطق السمكة بكلمات سحرية وتطلب الحرية، وعندما تطلق فطوم سراحها تعود السمكة إليها بجوهرة تنقل فطوم من البؤس إلى الثراء. في البحرين نجد خرافة مشابهة، لكن بسمكة الفسكر، حيث تتحول السمكة إلى امرأة تقدم الغذاء، ما ينقل الفتاة من الجوع إلى الرفاهية.

على الصعيد العالمي، تحمل السمكة مجموعة متنوعة من المعاني الرمزية عبر التقاليد الأدبية المختلفة. في الأساطير اليونانية، ترتبط السمكة بميثولوجيا الخلق. على سبيل المثال، ولدت أفرديت (ربة الجمال عند الإغريق) من البحر. بالمقابل اعتبر الصينيون القدماء السمكة رمزاً للرخاء والوفرة، ما ينعكس على ارتباط السمكة بمفهوم الفائض والحظ السعيد.

في الأدب الحديث تستمر السمكة في العمل كاستعارة مثيرة. تركز رواية الأميركي إرنست همنغواي «العجوز والبحر» على سانتياغو، صياد مسنّ يكافح مع سمكة مارلين عملاقة، حيث تجسد معركة سانتياغو مع المارلين موضوعات الإصرار والصراع والتأمل الوجودي. في هذه الرواية، تصبح المارلين أكثر من مجرد سمكة، إنها رمز لبحث سانتياغو النهائي عن المعنى والاحترام.

ومع تطور التقاليد الأدبية من المحتمل أن تستمر السمكة في السباحة عبر صفحات قصصنا، حاملة رمزية تُلهم القراء لتأمّل الروابط العميقة بين حياتنا وعالم الطبيعة.

* باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه
 

تويتر