الفتوى والبناء الأخلاقي

«الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم متسارع» هو عنوان مؤتمر الفتوى التاسع الذي أقامته الأمانة العامة لدور وهيئات الفتوى في العالم، يومي 29-30 يوليو، وقد بُحث هذا العنوان من خلال محاور ثلاثة، تهدف إلى البناء الأخلاقي في نظر الإسلام في ظل عالم متسارع في الانفلات الأخلاقي.

ونظراً لأن الأخلاق هي القاسم المشترك بين الأمم بعد الإيمان بالله وحده، وأن شريعتنا الإسلامية الغراء جاءت لتتمم مكارم الأخلاق، وكل تشريعاتها مصبوغة صبغة أخلاقية عليا، وإنما يبين هذه الأخلاق ويدعو إلى تطبيقها ورثةُ الأنبياء من العلماء الربانيين، والدعاة المصلحين، فكان لزاماً على المفتين الذين يحملون رسالات الله ويخشونه سبحانه أن يقوموا بواجبهم نحو مراد الله من عباده في الإيمان به والتحلي بالأخلاق والقيم التي تليق بكرامتهم عند ربهم ويحبها منهم، ويعاقب على التخلي عنها في الدنيا والآخرة، وإنما يحمي الناس من عذاب الله الدعاةُ إلى الله الذين ينهون عن السوء والفساد في الأرض.

ونظراً لهذا الواقع المأساوي الذي تعيشه الإنسانية في هذا التردي الخُلقي، أقيم هذا المؤتمر العالمي الذي حضره نحو 100 من مفاتي العالم الإسلامي، ومشاركة الأمم المتحدة من خلال منظمة الأمم المتحدة لتحالف الحضارات، ورعاية رسمية من رئيس جمهورية مصر العربية، وقد خرج المؤتمر بتوصيات نافعة تحقق المقصد من إقامة هذا المؤتمر ومن أهمها:

«دعوته الأممية لنشر أهمية الدور الذي تلعبه التعاليم الإسلامية السمحة في الارتقاء بالأفراد والمجتمعات البشرية، وهي المنصوص عليها في الشرائع السماوية كافة، كما يهيب بالمجتمع الدولي بضرورة احترام هذه التعاليم والعمل من خلالها على ضبط التسارع في الحركة العالمية، وتنامي النزعة الفردية على المستويات كافة، من أجل الحفاظ على القيم الإنسانية الرئيسة».

إن مثل هذا الحراك العلمي النافع هو الذي يُذكي القيم الإسلامية التي تحتاجها البشرية لتبتعد عن تلاعب ذوي الأهواء الجامحة لنزغات الشيطان الرامية لإخراج البشرية عن سواء السبيل إلى دركات الجحيم والهلاك المبين، وكلما ازداد هذا التحرك الجماعي بين مؤسسات الإفتاء في العالم ازدادت توعية الناس بمخاطر المسارعة إلى هاوية الضلال المبين الذي لا يخفى على العقلاء، والذي ينجرف الناس إليه بفعل التواصل المباشر مع العالم أجمع، وقد أخذ الله تعالى العهد على العلماء بالقيام بواجبهم نحو أممهم لاسيما عند استشعار الدهماء المظلمة، كما هي حال الإنسانية اليوم، وصدق الله إذ يقول: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

*كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

الأكثر مشاركة