العمل الخيري

الدكتور هشام الزهراني

وقفت امرأتان بعيداً عن تجمهر من البشر حول بئر، تستقيان لنفسيهما الماء، فرحم النبي الكليم موسى، عليه السلام، حالهما، فسقى لهما، وانصرف عنهما غير طالب مدحاً ولا ثناء، نظير ما قام به، فهو الواجب في حقه، رحمة بالضعيف والمسكين. وهكذا شأن العمل الخيري، حيث يقوم على قيم إنسانية متجذرة في النفوس، فكلما ذكر العمل الخيري، فإن أبرز صفاته هي الرحمة، وكأن الخير يتدثر بتلك الرحمة، فالرحمة أحد الدوافع الأساسية التي تقدح زناد العمل الخيري، فتنطلق شرارتها ثم يعم خيرها. ومفهوم الرحمة السائد، هو أن يعطف الإنسان على أخيه، ويحنو عليه في أقواله وأفعاله، بالفعل اللين والقول الحسن، فيطعم الجائع، ويداوي المريض، ويسقي الظمآن، لكنه ليس الأفضل دائماً، وهناك من أنواع الرحمة ما ظاهره شدة وقسوة، لكنه يحمل في باطنه شفقة وإحساناً بالشخص. قسا ليزدجروا ومن يك راحماً فليقس أحياناً على من يرحم، فتعليم المحتاج والمتسول بعضاً من المهن أو الحِرف، وتدريبه عليها، ليقف على قدميه مطلب أولى بانتهاجه من أن يعتاد السؤال والطلب، والبحث عن فرص عمل ليأكل من كسب يده، خير من أن يمد يده إلى الناس. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لأن يأخذ أحدكم أحبُلاً، فيأخذ حزمة من حطب فيبيع، فيكف الله به وجهه خير من أن يسأل الناس، أعطي أو منع». ولذلك ميّز النبي، صلى الله عليه وسلم، بين الناس، وأعطى كل إنسان ما يناسبه، ففي الحديث: حين سئل أي الأعمال أفضل، فذكر: «تعين صانعاً أو تصنع لأخرق» فالأول صاحب حِرفة وصنعة فهو أولى بأن يُعان حتى يستمر في حِرفته، فينفع نفسه وينفع غيره، لأنه يحتاج عادة إلى من يعينه، فمساعدتك له، سبب لعدم حاجته إلى الناس في المستقبل. وهذا يغفل عنه كثير من الناس، لأنهم يظنون أنه صاحب حِرفة غير محتاج إلى المساعدة فينصرفون عنه إلى غيره، ومن الأسباب المعينة ليستمر في تخصصه ومجاله، قد تكون بإلحاقه بدورات علمية جديدة في المجال نفسه، ليواكب التغيرات فلا يتأخر عن الركب. وتصنع لأخرق ذلك الذي لا يجيد الحِرفة والصنعة، فإن مثل هذا يُعان بالدراهم والدنانير.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر