نفس النفس اليوم والأمس!
نعتقد أن البشر يتغيرون والنفوس تتبدل بتبدل العصور، ولكن الحقيقة هي أن النفس البشرية لم تتغير طبيعتها، فلكل منا شبيه في الأيام الخوالي.
من أبرز موسيقيي العصر العباسي كان الفنان إبراهيم الموصلي الذي برع في التلحين والعزف وإحياء أكبر جلسات الشعر والغناء في القصور وبيوت الوجهاء العباسيين، بل وكان أستاذاً مهماً للأدب والفن فتتلمذ على يده العشرات من الجواري وحتى من أبناء المجتمع الأرستقراطي الذين كانت لديهم ميول فنية بارزة يتباهون بها في المجالس، وعندما أمر هارون الرشيد أبوالفرج الأصفهاني بجمع أبرز القصائد والأعمال المغناة من العصر الجاهلي إلى القرن التاسع الهجري، كان من ضمن تعليماته أن يكون للموصلي يد في هذا البحث الذي استغرق إنجازه 50 سنة!
ورغم أن الكتاب أثار جدلاً واسعاً على مر السنين باتهامه بالمبالغة في وصف حياة اللهو في العصور التي خلت، وقد جاء الرد على الأصفهاني سريعاً من قبل أعلام عصره ولومه على ما كتب، فإننا لسنا بصدد هذا الجانب، لأن المنجز الكبير الذي حققه الأصفهاني والموصلي في جمع كل هذه الأسماء وإعطائها حقها الأدبي أمر لا يسعنا إلا أن نتوقف عنده احتراماً، على عكس المجلد الموسيقي الذي ألفه الابن إسحاق الموصلي.
لقد شرب إسحاق الفن من أبيه وورث عنه قربه من البلاط، ولكن موهبته الفنية كانت محدودة، وحاول على خطى أبيه أن يوثق الحياة الفنية في عصره في كتاب، وقد قرأت في أكثر من مصدر أنه رغم شهرته ونفوذه وقربه من المأمون، فإنه تعمّد أن يخفي بعض الأسماء التي كانت لامعة في وقتها، وكثير من الألحان والأشعار إما لم تذكر أو لم يذكر اسم أصحابها، حتى إن هذه المصادر تقول إنه نسب بعض الأعمال لنفسه - ولست بصدد التأكيد أو التكذيب – والله أعلم!
فيا عجباً كيف أن الطمع في نفوس البشر ظل كما هو، تجد هذه النوعية من النفوس إلى اليوم في مختلف المجالات المهنية، أولئك الذين تلمع أعينهم طمعاً عند العثور على فرصة للصعود على أكتاف الآخرين ونسف وجودهم ونسب الجهود لأنفسهم!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه