فن المقال الأدبي.. ميشيل دي مونتاني والجاحظ

د. كمال عبدالملك

تعد كتابات ميشيل دي مونتاني (1533-1592)، الكاتب الفرنسي، وعمرو بن بحر الجاحظ (776-869)، الأديب العربي، من أبرز ما قدّم في الأدب من حيث الابتكار والإبداع، غير أن كلاً منهما جاء برؤى عميقة وأسلوب فريد.

يُعرف ميشيل دي مونتاني بأسلوبه الذي يركز على الذات والتأمل الشخصي، حيث تتسم مقالاته بلمسة شخصية وتفكير فلسفي ينبع من تجربته الذاتية. على العكس من ذلك، يتسم أسلوب الجاحظ بالتنوع والمرونة، فقد كتب في مجالات واسعة تراوح بين الأدب والتاريخ وعالم الإنسان والحيوان، مستخدماً أسلوباً غنياً وصوراً بلاغية مدهشة.

كان مونتاني مبتكراً في كتابة المقال، وشكّل نوعاً أدبياً جديداً يتسم بحرية التعبير واستكشاف الشكوك. وقد قوبل تأكيده «أنا نفسي موضوع كتابي» من معاصريه بوصفه ترفاً ذاتياً. ومع مرور الزمن، أصبح يعرف بأنه يجسّد - ربما أفضل من أي مؤلف آخر في عصره - روح الشك الحر الذي بدأ يظهر في تلك الفترة، ويشتهر بشكل خاص بملاحظته المشككة: «ماذا أعرف»؟ (Que sais-je)؟

من جهة أخرى، كان الجاحظ مبتكراً في سياق مختلف. فقد تفنّن في استخدام الهياكل السردية من خلال دمج رسائله في الحوار والحكايات، ما منح أعماله طابعاً أليفاً وأغناها بالأساطير والقصص الشعبية.

تعرف مقالات مونتاني بروحها العقلانية، حيث يشكك في المعتقدات السائدة، ويستعرض وجهات نظر متعددة. أما الجاحظ فقد استخدم الفكاهة والسخرية لانتقاد الأعراف الاجتماعية والسياسية وسلوك البشر. وبينما يتميز أسلوب مونتاني بالنبرة التأملية والحوارية الشخصية، يستخدم الجاحظ نبرة حوارية أيضاً، لكن في سياق أكثر تنوعاً، حيث يدمج الحوارات والقصص بطريقة فكاهية ساخرة.

كان مونتاني متأثراً بالأفكار الفلسفية والعلمية في عصره، ودمج هذه الأفكار في مقالاته بطريقة غير تقليدية. وكان الجاحظ أيضاً متمكناً من دمج المعرفة العلمية والفلسفية في كتاباته، حيث كانت أعماله تعكس التفاعل بين الفكر والعلم في عصره، ما يعكس تعقيد الحياة الفكرية بالبصرة في القرن التاسع.

بوجه عام، قدّم مونتاني رؤية شخصية فلسفية وتجريبية، بينما قدّم الجاحظ مزيجاً من الفكاهة والسخرية والتنوع الأدبي. وقد أسهم كل واحد منهما بمقالاته في تطور الأدب بطرق مبتكرة تعكس خلفيته الثقافية وتطلعاته الفكرية.

 باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر