تحصين الأوطان

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

تحصين الأوطان من نزغات بعض بني الإنسان، هو من مقتضيات أحكام الإسلام، فإن حماية البلدان من أطماع الطامعين وجور الجائرين من واجبات الكفاية، وهذا يقتضي حمايتها من كل خطر يهدد أمن المجتمع واستقراره، سواء كان التهديد خارجياً أو داخلياً، وسواء كان التهديد بالسلاح أو بإثارة الفتن في المجتمع؛ لأنها تفضي إلى عدم استقراه، واختلال نظامه، فيسهل بعد ذلك تفكيك بنيانه، وتمزيق أوصاله، وذلك مما لا يُقبل شرعاً ولا عقلاً، فقد روى مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه ستكون هَناتٌ وهَنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميعٌ، فاضربوه بالسيف كائناً من كان»، وإنما كان هذا الهدي الصارم الجازم الحازم ممن بعثه الله تعالى رحمة للعالمين، لأن هذا هو جوهر الرحمة بالمجتمع، على حد قول القائل:

فقسا ليزدجروا ومن يك حازماً .. فليقس أحياناً على من يرحمُ

ذلك أنه إن دبَّ إلى المجتمع الآمن المطمئن شيء من الفوضى؛ فلا تقوم للأمة بعدئذ قائمة، فيفسد على الناس أمر دينهم ودنياهم، وكما كان ينشد الإمام الصالح المجاهد عبدالله بن المبارك، ويقول:

الله يدفع بالسلطان معضلةً .. عن ديننا رحمة منه ورضوانا

لولا الأئمةُ لم تأمن لنا سُبُلٌ .. وكان أضعفنا نهباً لأقوانا

وهذا أمر مشاهد لا يحتاج إلى دليل من غير الواقع.

ولهذا نجد القرآن الكريم يأمر بالاعتصام بالوحدة والجماعة وينهى عن الفرقة أو ما يغري عليها، والسنة المطهرة مفعمة بمثل ذلك، كقوله عليه الصلاة والسلام: «إن يد الله مع الجماعة، وإن الشيطان مع من فارق الجماعة يرتكض».

إن وحدة صف الأمة واجتماع كلمتها من المهمات التي تتعين رعايتها من قبل ولاة الأمر أولاً؛ لأن مسؤولية حماية المجتمع واستقراره بأيديهم، ومن المجتمع نفسه؛ لأنه هو المتضرر الأول من تفرق المجتمع واختلافه، فإن لم يقم الجميع بواجبهم نحو حماية الأمة من الفتن، فإنه إن بزغ شيطانُها لن يتماسك بعد ذلك أمر الأمة، ولا نقلب الرخاء إلى شقاء، والتواصل إلى تقاطع، والتنمية إلى فساد وضياع، فكان كل إنسان معنياً بحماية المجتمع من أي دخيل مريب، مهما تلبس بلبوس النصيحة فإنها دسيسة مريبة، قد لا يفقهها المرء بسبب زخرفها، وعليه إذا لم يستبن له الأمر أن يرده إلى الله والرسول، وذلك بسؤال أهل الذكر المعنيين بدحض تلك الشبهات، فإنهم سيدلونه إلى الحق وإلى طريق مستقيم.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

 

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر