«أولمبياد» شهرية

الدكتور هشام الزهراني

يهرع الأب مسرعاً إلى بيته تاركاً جميع مهامه الأخرى خلف ظهره، مؤكداً على أبنائه البقاء في المنزل وعدم مغادرة أمكنتهم، والأم تجهز الطاولة والمقاعد والأجهزة لحدث يأملون ألا يفوتهم بعد طول انتظار.

ومع وصول الأب قبل الموعد يقوم بتوزيع الأجهزة اللوحية على جميع الأبناء، بل والزوجة كذلك، ولو استطاع أن يضم إليهم جده أو أبناء عمومته، أو جيرانه أو قريبه من الأب الثامن لفعل، فهو يأمل النجاح هذه المرة.

لا يذهب ذهنك بعيداً فليس الأب مقبلاً على امتحان عن بُعد يريد أن يتخطاه، أو وظيفة يطلبها، بل هو على موعد مع فتح باب تسجيل وتقديم الطلبات في الجمعيات الخيرية، ومدة تلك المهمة قد لا تتجاوز خمس دقائق أو أقل، لكن ثق وتأكد أنه ليس أكثر من ذلك.

نعم، هذا حال الأسر قبل موعد التسجيل في الجمعيات، فهناك استنفار كبير في البيوت، وهذا لا يختلف عليه اثنان، فهذا شخص أجلس أبناءه الخمسة وهو سادسهم ليفوز برابط التسجيل الذي يختفي اختفاء الشهب السيارة، ويمتلئ في أجزاء من الثانية العجلى.

ويا لحسن حظ من خطف تلك الثواني المعدودة في ذلك المضمار فأحرز هدفه ونال مناه، فالسعادة تُعمّر قلبه، والنشوة تغمر فؤاده، وكأنه أحرز إحدى الميداليات الثلاث فاستحق الإشادة والثناء.

ومن لم يوفّق للتسجيل وهم الأكثر قطعاً، بل أعدادهم أضعاف من سجّل، فلا يلبث أن يحيط به الهم والغم، ويسرع إلى الجهة الخيرية طالباً الاستثناء وقبول طلبه خارج النظام، لأنه حاول «كيت» و«كيت» من الشهور، ولكن لم يكتب له ذلك.

هذا السيناريو نشهده كل شهر. ولعل الجمعيات ارتأت هذا الأسلوب أولاً تحقيقاً للتكافؤ والشفافية، بعيداً عن أي مجاملة أو محاباة، وثانياً أنها تعمل وفق الميزانيات الشهرية، وبالتالي فهي بحاجة إلى عدد محدود من الطلبات قد تصل إلى ثلاثمائة تزيد أو تنقص في الشهر. أما أعداد الراغبين في التسجيل فتفوق الآلاف، إذن المعادلة صعبة، ولا مصلحة للجمعية في أن تستقبل جميع الطلبات في آن واحد، لأن ذلك يأخذ منها أشهراً لتنتهي منها، وهذا التأخير في الانتهاء منها في حد ذاته مشكلة أخرى.

ورسالتي إلى القراء هي عدم التسرع والحكم على الجمعيات بأنها لا تساعد المحتاج، وبعضهم يحكم على الجمعية بحكم غير صائب، لأنها لم تستقبل طلباً لأسرة بعينها هو يعلم بحالها، لأن ما خفي عنه من الحالات أعظم مما عرفه، فالتمسوا لها العذر وأحسنوا بها الظن.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر