عن الحداثة وما بعدها في المعمار والأدب
جاء صديقي المهندس المعماري مجدي ص. من القاهرة لزيارتي في الإسكندرية، ودار بيننا حديث شائق عن الحداثة وما بعد الحداثة في التصاميم المعمارية المعاصرة، وفي الحركات والأساليب الأدبية.
م. مجدي: الحداثة، بما تركّز عليه من البساطة والوظيفية ورفض الزخرفة، وضعت أساساً مازال يؤثر في كيفية تعاملنا مع التصميم المعماري. مبادئها واضحة في الخطوط النظيفة والجماليات البسيطة للعديد من المباني الجديدة. على سبيل المثال، استخدام الزجاج والفولاذ في ناطحات السحاب لايزال يردّد أفكار الحداثة بشأن الشفافية وصدق التصميم (structural honesty).
د. كمال: هذا مثير للاهتمام. في الأدب، تبنّت الحداثة أيضاً كسر الأشكال التقليدية للحكي كما يتضح في تقنيات تيار الوعي والسرديات المجزأة. كل من العمارة والأدب الحداثي سعى إلى التقاط جوهر العصر الصناعي الجديد، ولكن من خلال عدسات مختلفة تماماً.
م. مجدي: بالضبط. وعندما ننتقل إلى «ما بعد الحداثة»، يبدو أنها ردّ فعل ضد القواعد الصارمة للحداثة. في العمارة، تعيد «ما بعد الحداثة» الزخرفة والمرجعيات التاريخية، وغالباً ما تدمج الأساليب بطريقة مرحة ومتنوّعة. إنها مثل احتفال بالتعقيد والتنوّع.
د. كمال: نعم، و«ما بعد الحداثة» في الأدب تشارك هذا الشعور باللعب والتجميع playfulness and pastiche. إنها معروفة بالخلط بين الثقافة النخبوية والشعبية، وبين الخيال والواقع.
م. مجدي: هذه مقارنة رائعة. لقد لاحظت أن المعماريين المعاصرين أحياناً يستخدمون تقنيات ما بعد الحداثة لإنشاء مبانٍ تكون لافتة للنظر وثريّة من حيث التصميم. قد يدمجون عناصر تاريخية أو زخارف تقليدية، ولكن يعيدون تفسيرها بطرق جديدة، وغالباً ما تضفي جواً من الدعابة والمرح.
د. كمال: بالفعل، من المثير أن نرى كيف تطوّر كلا المجالين في الحاضر. في الأدب، يتجلى احتضان ما بعد الحداثة للسخرية والسرد المجزأ في تحوّل ثقافي أوسع نحو استجواب السرديات الكبرى وتبنّي التعددية. بالمثل، تتحدّى العمارة ما بعد الحداثية فكرة وجود نمط أو هدف موحد للبناء.
م. مجدي: يبدو أن كلا المجالين يتفاعلان مع ماضيهما بينما يوسّعان مساحة الممكن ويعيدان رسم تخوم المألوف.
د. كمال: تماماً. المحادثة بين الحداثة وما بعد الحداثة - سواء في الأدب أو العمارة - تكشف الكثير عن كيفية فهمنا وتفسيرنا لعالمنا. باحث زائر في جامعة هارفارد
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.