حرمة الجوار

الدكتور هشام الزهراني

العمل الخيري كما أسلفنا مراراً ليس مقصوراً على الموظفين والعاملين في الجمعيات الخيرية، بل هو شيمة حسنة وخصلة نبيلة يتصف بها الفضلاء النبلاء، فيطرقون بساتينها ويقطفون من كل بستان عملاً خيرياً صالحاً، ومن تلكم المحاسن رعاية حق الجوار.

فقد قالوا قديماً: الجار قبل الدار، وقالوا: بجيرانها تغلو البيوت وترخص. نعم فالجار الرحيم العطوف الذي يتعاهد جيرانه ويتفقّد أحوالهم، أغلى من الدر النفيس، وأثمن من الجوهر المكنون، فقيمته في نفوس الناس محفوظة، وذكره بالخير على الألسن منطوق، حيث يطمئن الجار في بيته على نفسه وأهله ويسعد لأنه - بعد فضل الله تعالى - جار لأبي فلان، ذلك الحليم العفيف الشهم الكريم، فلا يبيت ليله إلا بعد أن يشبع جيرانه، ويقضي حوائجهم ويلبي طلباتهم، أو على الأقل يسأل عن حالهم، ولو واتته الفرصة المناسبة للسعي في شفاعة حسنة لهم لبادر إلى ذلك مبادرة السهم المنبري.

وحق الجار معلوم منذ القدم، فقال عنترة: وأغضّ طرفي ما بدت لي جارتي :: حتى يواري جارتي مأواها.

وقال: وإني لأحمي الجار من كل ذلة :: وأفرح بالضيف المقيم وأبهج.

وبعد أن كان أهل الجاهلية ينصرون الجار ظالماً كان أو مظلوماً، جاءت الشريعة السمحة فحضت على حق الجار، وحددت المعايير والضوابط في ذلك.

وعلى ذلك الأساس تشكلت عادات وتقاليد أجدادنا وآبائنا التي غدت صروحاً إنسانية يشهد لها القاصي والداني، فهي مستمدة من الشريعة الغراء التي حرصت على رعاية حرمة الجار وتعظيمه بمختلف أساليب الوعد والوعيد، فوعدت بالفضل الكبير والأجر الجزيل الذي يحوزه المحسن إلى جاره، فقد جاء في الحديث: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره»، وفي حديث آخر: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه». وقال: «خير الجيران عند الله خيركم لجاره».

وفي المقابل أوعدت من يغلق أبواب معروفه وخيره عن جاره، ففي الأثر: «كم من جار متعلق بجاره يوم القيامة يقول: يا رب هذا أغلق بابه دوني فمنع معروفه».

وأدنى درجات حق الجار المطلوبة هو كف الأذى، فيحصل جاره على راحة البال وسكونه، فلا يخاف على نفسه وأهله وماله، وأعلى منه مرتبة من أوصل معروفه إلى جاره فأكرمه في وجوده، وحفظه في غيابه، وعاده في مرضه وواساه في حزنه، وشاركه في فرحه ووصله في حاجته وفقره.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر