الاستدامة

محمد سالم آل علي

يثير فضولي سؤال مفاده: كيف نضمن أن تظل الاستدامة مستدامة؟ للإجابة عن هذا السؤال لابد لنا من أن نحدد فيما إذا كانت الاستدامة مجرد هدف نسعى إلى تحقيقه والتوقف عنده، أم أنها رحلة مستمرة تتطلب منا التزاماً دائماً؟ في الواقع الإجابة الثانية هي الأصح، أي أن الاستدامة ليست وجهة نهائية، بل هي مسار طويل ومملوء بالتحديات والفرص، إنها كالنهر الذي يتدفق نحو المستقبل، ليروي ظمأه ويطفئ تحدياته، لذلك لا يجوز له أن يجف ولا حتى أن يهدأ أو يتوقف، فعالم اليوم تتسارع فيه التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية بدرجات تفوق التصور، وتبرز معها أهمية الاستدامة كضمانة تكفل المرونة والتجدد في مواجهة هذه التحولات السريعة والتكيّف معها. وبعبارة أخرى يجب أن تكون استراتيجيات الاستدامة قادرة على التكيّف والنمو، تماماً كما يتكيّف الأفراد والشركات مع التغيرات، لضمان استمرارية النجاح، فالمستثمر يحتاج أحياناً إلى تعديل محفظته المالية، لتتناسب مع تقلبات السوق، والتاجر أيضاً يعمد إلى استراتيجيات معينة ترتبط بالحاجة والمخزون ومبادئ العرض والطلب، وكذلك الطالب والموظف والعامل، فهذه المبادئ تنطبق على التحديات بمختلف أشكالها، سواء كانت تتعلق بالتطورات التكنولوجية، أو التغيرات في سوق العمل، أو حتى التطورات الاجتماعية والثقافية.

والمهم هنا هو أن نمو الاستدامة يُعدُّ دافعاً قوياً للابتكار، لأن الالتزام يَعِدُ بالعمل المستمر، وبالتالي فإن تطوير تقنيات وأفكار جديدة، يساعدنا في حماية كوكبنا، ويفتح أبواباً جديدة للإبداع والتطور، وما أقصده بالابتكار هنا ليس مجرد تحسين المنتجات والخدمات، بل هو أيضاً تعزيز إدارة الموارد البشرية والمالية والاجتماعية بطرق تدعم استمرارية النجاح.

وفي هذا السياق، تلعب الأسرة دوراً حاسماً في غرس مفهوم الاستدامة لدى الأجيال الصاعدة، من خلال توعيتهم بأهمية الاستدامة، وكيفية الحفاظ على قيمها ومبادئها، أما جيل الشباب، فهو القوة الحقيقية والدافعة نحو التغيير، فمن خلال التعليم والمشاركة في المبادرات الاجتماعية والاقتصادية، يمكن للشباب أن يمهّدوا الطريق نحو حلول شاملة لكل مشاكل العصر.

وفي النهاية، وكما هي الحال مع كل المبادرات والاستراتيجيات، لا يمكن تحقيق النجاح دون جهد جماعي، لأن النجاح لا يعتمد فقط على السياسات الحكومية أو المبادرات الفردية، بل يحتاج إلى تعزيز التعاون بين الجميع من حكومات وشركات ومجتمعات، بما يوفره ذلك من موارد إضافية وتبادل في المعارف والخبرات، وإذا كنا اليوم نواجه تحديات كبيرة، فإننا غداً، وعبر التزامنا المستمر وتعاوننا الفعّال، سنبني عالماً يعكس قيم الابتكار، وسننجح بتطبيق الاستدامة على الاستدامة نفسها.

مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر