عن شاعرية الحوار السينمائي.. فيلم «عشائي مع أندريه»

د. كمال عبدالملك

أستمتع كثيراً بالحوار الجاد مع الأصدقاء، لهذا أبهرني ولا يزال فيلم «My Dinner with André» (عشائي مع أندريه) للمخرج المتميز لويي مال، لكونه إبداعاً سينمائياً يستمد بريقه ليس فقط من حركة الكاميرا، بل أيضاً من فن الحوار الثري. هذا الفيلم بفكرته البسيطة المتمثّلة في عشاء يجمع بين رجلين، يكشف عن شاعرية الحوار، محوّلاً الكلمات إلى مشهد حي يفوق في بعض مقاطعه أفلام الإثارة و«الأكشن».

الحوار بين البطلين أندريه ووالي، هو نبض الفيلم وهو إيقاع شعري يتدفق ويتراجع مثل المد والجزر. تأملات أندريه في رحلاته وتجارب حياته المليئة بالاستعارات، ترسم لوحة لحياة عاشها بين حافة التجربة والخطأ. أما والي فيمثل الرجل العادي المتجذّر في تربة الواقع والروتين.

يُظِهر مال قدراته في الإخراج فيُبقى الكاميرا غير متطفلة، نظرتها ثابتة وصبورة، ما يسمح للجمهور بالتركيز على الكلمات والوقفات، والسرد الممتع. يستخدم اللقطات القريبة لكي يعبر مجازاً عن حميمية اللحظة، يجذبنا نحن المشاهدين إلى العالم الخاص للشخصيات، ليجعلنا متلصصين على حوار يشعرنا بأنه شخصي بامتياز، لكنه في الوقت نفسه قابل للتطبيق على بقية البشر.

في عالم تمزّقت فيه لحظات الزمن إلى شظايا متكررة من المهام اليومية (العمل والكلام والأكل والنوم)، يكون «عشائي مع أندريه» أشبه بسفينة تبحر في محيط من النسيان، تذكرنا بفن الحوار المفقود.. فن أخْذ الوقت للإنصات والتأمّل، والاندماج بعمق في حديث ممتع ومثمر مع الآخر.

«عشائي مع أندريه» يدعونا إلى التمهل وإلى تذوّق طعم الكلمات والغوص في أعماق الحوار في عالم يتسم بسرعة الإيقاع وهنيهات الإثارة الوقتية.

مقتطفات من الفيلم (مترجمة عن الإنجليزية بتصرف).

■  أندريه: «نحن محبوسون داخل أقفاص من الكلمات، لذا نهرب أحياناً إلى عوالم الغرابة».

■ والي: «عند دخول المطعم بدأت أدرك أن الطريقة الوحيدة لجعل هذا المساء محتملاً هي طرح بعض الأسئلة على أندريه. أعتقد أحياناً أن مهنتي السرية هي أنني محقق خاص، أجد ذلك ممتعاً للغاية».

■ أندريه: «الأشياء لم تعد تؤثّر في الناس كما كانت من قبل، ربما يأتي يوم يدفع فيه الناس آلاف الدولارات لبتر جزء من أجسادهم فقط ليشعروا بشيء غير عادي».

■ والي: «أنا قادر على إنجاز أي مهمة، لكنني أشعر بأنني لست كافياً لأكون إنساناً».

■ أندريه: «هل تعلم أن جذر الفعل to be (أن تكون) في السنسكريتية يعني النمو والإنبات».

  باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر