العبرة بالاطمئنان
موظفان بإحدى الشركات أدينا من قبل محكمة أول درجة بتهمة الاختلاس، لكن محكمة الاستئناف ألغت الحكم، رغم اعتراف أحدهما بارتكاب الجريمة في تحقيقات داخلية، لأنه لا يوجد سند لاعترافه في أوراق الدعوى.
«اطمئنان المحكمة لسلامة اعتراف المتهم» عبارة متكررة في كثير من حيثيات الدعاوى القضائية، فما هو معيار الاطمئنان؟ وهل الاعتراف سيد الأدلة بالفعل كما نشاهد في الدراما والسينما؟
والاعتراف قانوناً هو إقرار المتهم على نفسه بارتكاب الواقعة الإجرامية، ومن ثم فإنه يختلف عن أية أقوال تصدر عنه، أو تصرفات يستنتج منها ذلك.
ولا يجوز تحليف المتهم اليمين القانونية قبل الإدلاء بأقواله وإلا كان الاعتراف باطلاً، وإذا تضمن اعترافه أقوالاً غير صحيحة لا يعد تزويراً ولا يعاقب عليه.
وفي ما يتعلق بكونه سيد الأدلة، فإن من الثابت قانوناً أنه لا يعد حجة في ذاته، وإنما يخضع لتقدير قاضي الموضوع، ولا يعفي سلطة الاتهام والمحكمة من البحث في باقي الأدلة.
ومن حق المتهم أن يعدل عن اعترافه في أي وقت دون أن يكون ملزماً بإثبات صحة الاعتراف الذي عدل عنه، لكن هذا الأمر يخضع لتقدير سلطة المحكمة، لذا نجد في حيثيات كثيرة عدم التفات هيئة المحكمة إلى الإنكار لاطمئنانها إلى أدلة الثبوت.
وبناء على ما سبق، فإن الاعتراف يندرج ضمن وسائل الإثبات إذ استوفى شروط سلامته، وهي صدوره عن إرادة حرة وواعية، وفق إجراءات صحيحة، وأن يكون مطابقاً للواقع في الدعوى، وهذه من الزوايا المهمة، إذ لا قيمة له إذا خالف دليلاً فنياً قاطعاً مثل تقرير الطب الشرعي أو المختبر الجنائي.
ومن أركان الاعتراف صدوره عن المتهم نفسه، وتقتصر حجيته عليه فقط، ومن ثم فإن الأقوال الصادرة عنه بحق متهم آخر لا تعد اعترافاً صحيحاً، وإنما هي مجرد شهادة تندرج في إطار الاستدلالات.
ومن المسائل القانونية ذات الصلة أنه كما قد يكون الاعتراف سبباً في إدانة شخص، فإنه يمكن أن يكون وسيلة للإعفاء من جرائم بعينها تشجيعاً للجناة على كشفها وإرشاد السلطات إلى المتورطين فيها، مثل جريمة الرشوة، فبحسب قانون العقوبات الاتحادي «يعفى الراشي أو الوسيط إذا بادر بإبلاغ السلطات القضائية أو الإدارية عن الجريمة قبل الكشف عنها».
محكم ومستشار قانوني