زكاة العلم

عام دراسي جديد أقبل عليه الطلبة والطالبات في المدارس والجامعات، مجددين رؤيتهم، عازمين على السعي إلى أهدافهم باستئناف مرحلة مهمة من حياتهم، تغذّي عقولهم وتربي أرواحهم، وتصحح أفكارهم وترفع الجهل عنهم.

وهو في الوقت ذاته فرصة جميلة للمعلمين والمعلمات ليقدموا عملاً خيرياً عظيماً، إلى جانب كونه واجباً شريفاً تقلدوه.

فتعليم العلم نوع جليل من العمل الخيري الذي يقدّمه المرء، فلا يحتاج إلى إنفاق مال عزيز، ولا بذل متاع ثمين، وإنما هو نقل المعرفة والعلم النافع إلى الأجيال الأخرى.

وهذا النوع من الجود بالعلم موصوف بأنه أعلى مراتب الجود، لأن العلم أشرف من المال، فكان الجود به أشرف.

وحض ديننا على بذل العلم والاستزادة منه، فقال تعالى: «وقل ربي زدني علماً»، وقدّم منزلة العلماء على غيرهم من الناس فقال: «قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون».

ومعلمنا الأول هو النبي صلى الله عليه وسلم، وسار الصحابة ومَن بعدهم على ذلك الهدي، اغتناماً للفضل الكبير، فنشروا العلم في أقاصي الدنيا ابتغاء الفضل الذي ورد في الحديث: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له».

فنشر العلم من الصدقات الجارية للعبد، كما أن بناء المساجد وحفر الآبار كذلك.

وإذا كنا سمعنا عن زكاة المال، فإن للعلم زكاة، وزكاته نشره، ونصابه: «بلغوا عني ولو آية»، فمن متّعه الله بالعلم النافع حري به أن يسعى إلى أداء حق هذا العلم بنشره بين الآخرين بسخاء وكرم شديدين، ويتجنّب كتمانه حتى لا يسأل عنه يوم القيامة.

وكان الخليل الفراهيدي العبقري الفذ صانع المعجم وواضع العروض، يبذل العلم بتواضع جم لكل من يسأله، لا يطلب منه جزاء ولا شكوراً، فيتعلم منه التلاميذ العلم والأدب جميعاً.

والإمام أحمد يمنح العلم ويعلم الأدب كذلك، فتحضر مجلسه أعداد غفيرة من الناس، معظمهم قدموا ليتعلموا خلق الإمام أحمد وأدبه، لذلك فإن رسالة المعلم مهمة في الحياة، فهو بشخصه محط أنظار طلابه، يشاهدون خلقه وأدبه قبل علمه ومعرفته، فيتذكرونه بخيره وفضله، ويترحمون عليه كلما جال في بال أو طاف على خيال.

وفق الله المعلمين والمعلمات لبذل الخير في ميادين المعرفة.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

 

الأكثر مشاركة