حقائب سبتمبر
يأتي دورها بعد أن يغلق الصيف حقائبه مخبِّئاً فيها ذكريات البحر وألق الغروب وسحره السرمدي، وجمال الوقت وصوت الضحكات، ولمة الأهل والأحضان بعد طول غياب وسفر.
تبتسم للأمهات وهن يخبئن حقائب الإجازة بعد أن يُحكمن إغلاقها وتغليفها وهن يحمدن الله عز وجل على ما تكرّم به من نعمة تغيير الأجواء، والتزود لمواصلة القدرة على السير.
تطوي الملابس التي تلونت بفرح الصغار وبهجتهم بالنوم لقرب انتصاف النهار انتصاراً لألم السادسة صباحاً، وتعيد ترتيب الخزانات والأماكن بعد شهرين من الاسترخاء بلا ضغوط أو توتر.
تذكرنا بانتهاء ليالي السهر والحكايات الغارقة في التفاصيل، والكسل وفوضى مواعيده، وتضبط اليوم من جديد فتدق الساعات، ويستيقظ الطير والبشر مع خيوط الفجر.
تجدد فينا الأمل والإقبال على الحياة وتمنحنا بداية مختلفة، وفرصة أخرى لاستكمال ما أجّلته عطلة يوليو وأغسطس بطقسهما الحار.
ترسم وجوهاً مبتسمة على أكتاف الصغار وتشدّ على أيديهم بأن الوقت قد حان للخطوة الأولى نحو الاعتماد على النفس، والابتعاد قليلاً عن دفء الأمهات وحنان الجدات.
تفاجئنا بفارق الطول والعضلات وكم بات حملها خفيفاً على ذلك الصبي الذي عاد لمدرسته شاباً قوي البنية، واثق الخطى مع عامه الدراسي الجديد، وتُدهشنا بذوقها الرفيع في يد تلك الجميلة التي فككت ضفائرها بالأمس القريب، وتسأل اليوم بوجنتين ورديتين عن قاعة درسها الجامعي الأول.
تفتح جوانبها لروزنامة مليئة بالخطط والمواعيد والأمنيات والأحلام المؤجلة، وتوقظ فينا الأمل والشغف والعمل بصبر.
هكذا سبتمبر كل عام يأتي محمّلاً بحقائب موسم جديد للعمل والدراسة والخطط الحكومية التي تتخذ من بدايته نقطة انطلاق استعداداً لاستكمال البناء واستئناف ما توقف مؤقتاً.
تعوّدنا منذ سنوات في الإمارات أن سبتمبر هو البداية الحقيقية لأشهر النشاط والانضباط، والاستعداد لبذل الجهد والمثابرة.
أتذكر في بداية عملي هنا جملة عميقة لأحد المسؤولين معلقاً على انتهاء الإجازة: «يستحق عطلة صيفية مميزة من يبذل جهداً مميزاً من بداية سبتمبر حتى حلول الصيف».
وها هو سبتمبر بحقائبه قد عاد وعادت معه الحياة إلى نظامها وطلتها البهية في الإمارات كل صباح، ولدينا فرصة عظيمة للاجتهاد لنستحق في النهاية «عطلة مميزة».. وكل عام والجميع بألف خير.
@amalalmenshawi