«مؤسسات التعليم في الإسلام والغرب»
عندما كنا طلاب دراسات عليا بجامعة ماكغيل في مونتريال، أتى البروفيسور الراحل جورج مقدسي، ليلقي محاضرة عن كتابه الرائد «نشأة الكليات: مؤسسات التعليم في الإسلام والغرب». هذا الكتاب يُعدُّ دراسة فريدة من نوعها لاتزال تحظى باهتمام واسع حتى اليوم.
تطرق مقدسي إلى تطور المدرسة الإسلامية، التي ظهرت في القرنين الـ10 والـ11، كاستجابة للحاجة إلى نظام تعليمي منظم، يغطي مجالات الفقه الإسلامي، وعلم الكلام، والعلوم الأخرى. المدرسة لم تكن مجرد مكان لتعليم الدين، بل كانت تجسيداً لفكرة شمولية المعرفة، حيث جمعت بين الفقه والمنطق والفلسفة والأدب.
اعتمد نقل المعرفة بشكل رئيس على الشفاهية، مع التركيز على الحفظ والتكرار، وكان «للإجازة» دور حيوي، إذ إنها تمثّل تصريحاً رسمياً بنقل المعرفة من جيل إلى جيل. يرى مقدسي أن هذا النظام أسهم في الحفاظ على المعرفة الإسلامية عبر العصور، حيث كانت سلسلة الإسناد أداة أساسية في هذا السياق.
في المقابل، شهدت أوروبا العصور الوسطى ظهور الجامعات التي كانت، مثل المدرسة الإسلامية، مراكز للعلم والتعلم. تأسست جامعات كبرى مثل بولونيا وباريس في القرن الـ12، وركزت في البداية على دراسة القانون والطب واللاهوت. كانت الجامعات الأوروبية أكثر تنظيماً، مع وجود هيكل هرمي يشمل الكليات والشهادات، وخضعت لتنظيم السلطات الدينية والسياسية.
وفي الجامعات الأوروبية اعتمد التدريس أيضاً على الشفاهية، إضافة إلى المناظرات والمحاضرات والتعليقات المكتوبة. كما أن شهادة الدكتوراه الأوروبية كانت بمثابة اعتراف بالخبرة العلمية، على غرار «الإجازة» الإسلامية، لكنها اختلفت من حيث الهيكل التنظيمي.
النظامان التعليميان في العالمين الإسلامي والأوروبي، أسهما في تشكيل الحركات الفكرية في العصور الوسطى. ففي العالم الإسلامي، كانت المدارس منابر لظهور مذاهب متعددة، ودمج الأفكار الفلسفية والعلمية من ثقافات أخرى. أما في أوروبا، فقد كانت الجامعات بيئة خصبة للاسكولائية (Scholasticism )، تلك المنهجية النقدية التي هيمنت على الفكر الفلسفي واللاهوتي، وأسست لعصر النهضة الذي أعاد اكتشاف النصوص الكلاسيكية اليونانية والرومانية، وأسهم في تشكيل مسار الفكر الأوروبي.
إن فهم هذه التطورات التاريخية والتعليمية يُعزز إدراكنا العميق للتبادل الثقافي والفكري بين الشرق والغرب، ويذكرنا بأن المؤسسات التعليمية كانت دوماً في قلب التطور الحضاري.
باحث زائر في جامعة هارفارد
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه